كتاب الأذكار والدّعوات للأمور العارضات
اعلم أن ما ذكرته في الأبواب السابقة يتكرّرُ في كل يوم وليلة على حسب ما تقدَّم وتبين. وأما ما أذكرهُ الآن فهي أذكارٌ ودعوات تكون في أوقات لأسباب عارضات، فلهذا لا يُلتزم فيها ترتيب.
بابُ دُعاءِ الاسْتِخَارة
1/303 روينا في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن، يقول: "إذَا هَمَّ أحَدُكُمْ بالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وأسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أعْلَمُ، وأنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ خَيْرٌ لي فِي دِيني وَمَعاشِي وَعاقِبَةِ أمْرِي، أو قال: عاجلِ أمْرِي وآجِلِهِ، فاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لي، ثُم بارِكْ لي فِيهِ، وَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي وَمعاشِي وَعاقِبَةِ أمْرِي، أو قال: عاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ، فاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ، قال: ويُسمِّي حاجَتَهُ".
قال العلماء: تستحبّ الاستخارة بالصلاة والدعاء المذكور، وتكون الصلاة ركعتين من النافلة، والظاهر أنها تحصل بركعتين من السنن الرواتب، وبتحية المسجد وغيرها من النوافل؛ ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة: قل يا أيّها الكافرون، وفي الثانية: قل هو اللّه أحد؛ ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء. ويستحبّ افتتاح الدعاء المذكور وختمه بالحمد للّه والصلاة والتسليم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ ثم إن الاستخارة مستحبّة في جميع الأمور كما صرَّح به نصُّ هذا الحديث الصحيح، وإذا استخار مضى بعدها لما ينشرحُ له صدره. واللّه أعلم. (1)
2/304 وروينا في كتاب الترمذي بإسناد ضعيف ضعَّفه الترمذي وغيره، عن أبي بكر رضي اللّه عنه،
أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا أراد الأمر قال: "اللَّهُمَّ خِرْ لي وَاخْتَرْ لي".(2)
3/305 وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "يا أنَسُ، إذَا هَمَمْتَ بِأمْرٍ فاسْتَخِرْ رَبَّكَ فيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْظُرْ إلى الَّذي سَبَقَ إلى قَلْبِكَ، فإنَّ الخَيْرَ فِيهِ" إسناده غريب، فيه مَنْ لا أعرفهم. (3)
أبواب الأذكار التي تُقال في أوقات الشِّدَّة وعلى العَاهات)
بابُ دعاءِ الكَرْبِ والدعاءُ عندَ الأمورِ المهمّة
1/306 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول عند الكرب: "لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأرْضِ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمُ" وفي رواية لمسلم "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا حَزَبَه أمر قال ذلك". قوله "حزبه أمر": أي نزل (4)
2/307 وروينا في كتاب الترمذي، عن أنس رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم؛ أنه كان إذا أكربه أمر قال: "يا حَيُّ يا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ" قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد. (5)
3/308 وروينا فيه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا أهمّه الأمر رفع رأسه إلى السماء فقال: "سُبْحانَ اللّه العَظِيمِ" وإذا اجتهد في الدعاء قال:"يا حَيُّ يا قَيُّومُ".(6)
4/309 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي اللّه عنه قال: كان أكثر دعاء النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: " اللَّهُمَّ آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً، وفي الآخِرَةِ حَسَنةً، وَقِنا عَذَابَ النَّارِ" زاد مسلم في روايته قال: وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، فإذا أراد أن يدعوَ بدعاء دعا بها فيه. (7)
5/310 وروينا في سنن النسائي وكتاب ابن السني، عن عبد اللّه بن جعفر، عن عليّ رضي اللّه عنهم قال: لَقَّنني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هؤلاء الكلمات، وأمرني إن نزل بي كرب أو شدّة أن أقولها: "لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ الكَرِيمُ العَظِيمُ، سُبْحانَهُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العَرْش العَظِيمِ، الحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العالَمِينَ". وكان عبد اللّه بن جعفر يلقنها وينفث بها على الموعوك، ويعلِّمها المغتربة من بناته. قلت: الموعوك: المحموم، وقيل: هو الذي أصابه مغث الحمى. والمغتربة من النساء: التي تُزوَّج إلى غير أقاربها. (8)
6/311 وروينا في سنن أبي داود، عن أبي بكرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "دَعَوَاتُ المَكْرُوب: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أرْجُو فَلا تَكِلْنِي إلى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وأصْلِحْ لي شَأنِي كُلَّهُ، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ".(9)
7/312 وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه، عن أسماء بنت عُمَيْس رضي اللّه عنها، قالت:
قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم: "ألا أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ تَقُولِيْنَهُنَّ عِنْدَ الكَرْبِ ـ أو في الكرب ـ اللَّهُ اللَّهُ رَبي لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً".(10)
8/313 وروينا في كتاب ابن السني، عن أبي قتادة رضي اللّه عنه قال: قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ قرأ آيَةَ الكُرْسِيّ وَخَوَاتِيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ عِنْدَ الكَرْبِ، أغاثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ".(11)
9/314 وروينا فيه، عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه قال: سمعتُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "إِني لأَعْلَمُ كَلِمَةً لا يَقُولُهَا مَكْرُوبٌ إِلاَّ فُرِّجَ عَنْهُ: كَلِمَةَ أخي يُونُسَ صَلَّى اللّه عليه وسلَّمَ {فنَادَى فِي الظُّلُماتِ: أنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ سُبْحانَكَ إني كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} الأنبياء:87".
ورواه الترمذي عن سعد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إذْ دَعا رَبَّهُ وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ: لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، لَمْ يَدْعُ بِها رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْء قَطُّ إِلاَّ اسْتَجابَ لَهُ".(12)
بابُ ما يقولُه إذا راعَه شيءٌ أو فَزِعَ
1/315 وروينا في كتاب ابن السني، عن ثوبانَ رضي اللّه عنه؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا راعَه شيءٌ قال: "هُوَ اللَّهُ، اللَّهُ رَبِّي لا شَرِيكَ لَهُ".(13)
2/316 وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يعلِّمهم من الفزع كلماتٍ: "أعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِن غَضَبِهِ وَشَرّ عِبادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وأنْ يَحْضُرُونِ" وكان عبد اللّه بن عمرو يعلِّمهنّ من عَقَل من بنيه، ومن لم يعقلْ كتبه فعلَّقه عليه. قال الترمذي: حديث حسن. (14)
بابُ ما يَقُولُ إذا أصابَه همٌّ أو حَزَن
1/317 روينا في كتاب ابن السني، عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ أصَابَهُ هَمٌّ أوْ حَزَنٌ فَلْيَدْعُ بِهَذِهِ الكَلِماتِ، يَقُولُ: أنا عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ فِي قَبْضَتِكَ، ناصِيَتِي بِيَدِكَ، ماضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ؛ أسألُكَ بِكُلّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أوْ أنْزَلْتَهُ فِي كِتابِكَ، أوْ عَلَّمْتَه أحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أوِ اسْتَأثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ أنْ تَجْعَلَ القُرآنَ نُورَ صَدْرِي، وَرَبِيعَ قَلْبِي، وَجلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمّي. فقال رجل من القوم: يا رسول اللّه! إن المغبونَ لمن غُبن هؤلاء الكلمات، فقال: أجَلْ فَقُولُوهُنَّ وَعَلِّمُوهُنَّ، فإنَّهُ مَنْ قَالَهُنَّ الْتِماسَ ما فِيهِنَّ أذْهَبَ اللَّهُ تَعالى حُزْنَهُ، وأطالَ فَرَحَهُ".(15)
بابُ ما يَقولُه إذا وقعَ في هَلَكَة
1/318 روينا في كتاب ابن السني، عن عليّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "يا عَلِيُّ! ألا أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ إِذَا وَقَعْتَ فِي وَرْطَةٍ قُلْتَها؟ قلتُ: بلى، جعلني اللّه فِداءَك، قال: إذَا وَقَعْتَ فِي وَرْطَةٍ فَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ العَلِيّ العَظِيمِ. فإنَّ اللَّهَ تَعالى يَصْرِفُ بها ما شاءَ مِنْ أنْوَاعِ البَلاءِ".(16)
قلت: الوَرْطَة بفتح الواو وإسكان الراء: وهي الهلاك.
بابُ ما يَقولُ إذا خافَ قوماً
1/319 روينا بالإِسناد الصحيح في سنن أبي داود والنسائي، عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا خاف قوماً قال: "اللَّهُمَّ إنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ".(17)
بابُ ما يَقولُ إذا خافَ سُلْطاناً
1/320 روينا في كتاب ابن السني، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إذَا خِفْتَ سُلْطاناً أوْ غَيْرَهُ، فَقُلْ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ الحَلِيمُ الحَكِيمُ، سُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، عَزَّ جارُكَ، وَجَلَّ ثَناؤُكَ" ويستحبُّ أن يقول ما قدَّمناه في الباب السابق من حديث أبي موسى. (18)
بابُ ما يَقولُ إذا نظرَ إلى عدوّه
1/321 روينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي اللّه عنه، قال: كنا مع النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في غزوة فلقي العدوّ، فسمعته يقول: " يا مالِكَ يَوْمِ الدّينِ إيَّاك أعْبُدُ وإيَّاكَ أسْتَعِينُ" فلقد رأيتُ الرجالَ تُصرع، تضربُها الملائكةُ من بين أيديها ومن خلفها. ويُستحبُّ ما قدَّمناه في الباب السابق من حديث أبي موسى. (19)
بابُ ما يَقُولُ إذا عرضَ له شيطانٌ أو خَافَهُ
قال اللّه تعالى: {وإمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ باللّه إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} فصلت:36 وقال تعالى: {وَإذَا قَرأتَ القُرآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِين لا يُؤْمِنُونَ بالآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً} الإِسراء:45 فينبغي أن يتعوّذ ثم يقرأ من القرآن ما تيسَّر.
1/322 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال: "قام رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يُصلِّي، فسمعناه يقول: أعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، ثم قال: ألْعَنُك بِلَعْنَةِ اللَّهِ ثَلاثاً، وبسطَ يدَه كأنَّه يتناول شيئاً، فلما فرغَ من الصلاة قلنا: يا رسول اللّه! سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعْكَ تقولُه قبلَ ذلك، ورأيناكَ بسطتَ يدَكَ، قال: إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جاءَ بِشِهابٍ مِنْ نارٍ لِيَجْعَلَهُ في وَجْهِي، فَقُلْتُ: أَعُوذُ باللَّهِ مِنْكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْتُ: ألْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللّه التَّامَّةِ (20)( بلعنة اللّه التامة قال القاضي: يحتمل تسميتها التامة: أي لا نقص فيها، ويحتمل الواجبة له المستحقة عليه، أو الموجبة عليه العقاب سرمداً. وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: أشار بتامة إلى دوامها. الفتوحات 4/21) "( بلعنة اللّه التامة قال القاضي: يحتمل تسميتها التامة: أي لا نقص فيها، ويحتمل الواجبة له المستحقة عليه، أو الموجبة عليه العقاب سرمداً. وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: أشار بتامة إلى دوامها. الفتوحات 4/21) " فاسْتأخَرَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أرَدْتُ أنْ آخُذَهُ، وَاللَّهِ لَوْلا دَعْوَةُ أخي سُلَيْمانَ (21)لأصْبَحَ مُوثَقاً تَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أهْلِ المَدِينَةِ".(22)
قلت: وينبغي أن يؤذّن أذان الصلاة.
2/323 فقد روينا في صحيح مسلم، عن سُهيل بن أبي صالح أنه قال: أرسلني أبي إلى بني حارثة ومعي غلام لنا أو صاحب لنا، فناداه مُنادٍ من حائط باسمه، وأشرف الذي معي على الحائط فلم يرَ شيئاً، فذكرتُ ذلك لأبي، فقال: لو شعرتُ أنك تَلقى هذا لم أرسلك، ولكن إذا سمعت صوتاً فنادِ بالصلاة، فإني سمعت أبا هريرة رضي اللّه عنه يحدّث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "إنَّ الشَّيْطانَ إذَا نُودِيَ بالصَّلاةِ أدْبَرَ".(23)
بابُ ما يَقُولُ إذا غلبَه أمرٌ
1/324 روينا في صحيح مسلم عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:" المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ باللَّهِ ولا تَعْجِزَنَّ (24) وإنْ أصابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَني فَعَلْتُ كَذَا كانَ كَذَا وَكَذَا، وَ لَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَما شاء فَعَلَ، فإنَّ "لَوْ" تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ".(25)
2/325 وروينا في سنن أبي داود، عن عوف بن مالك رضي اللّه عنه؛أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم قضى بين رجلين فقال المقضيّ عليه لمّا أدبر: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ تَعالى يَلُومُ على العَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بالكَيْسِ فإذَا غَلَبَكَ أمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ".
(26) ، وقال الحافظ: هذا حديث حسن أخرجه أبو داود والنسائي، وفي سنده سيف (27)
قلت: الكَيْس بفتح الكاف وإسكان الياء، ويطلق على معان: منها الرفق، فمعناه واللّه أعلم: عليك بالعمل في رفق بحيث تُطيق الدوام عليه.
بابُ ما يقولُ إذا استصعبَ عليه أمرٌ
1/326 روينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي اللّه عنه؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "اللَّهُمَّ لا سَهْلَ إِلاَّ ما جَعَلْتَهُ سَهْلاً، وأنْتَ تَجْعَلُ الحَزْنَ إذَا شِئْتَ سَهْلاً" قلتُ: الحَزْن بفتح الحاء المهملة وإسكان الزاي: وهو غليظ الأرض وخشنها. (28)
بابُ ما يقولُ إذا تَعَسَّرَتْ عليه معيشتُه
1/327 روينا في كتاب ابن السني، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال:"ما يمْنَعُ أحَدَكُمْ إذَا عَسُرَ عَلَيْهِ أمْرُ مَعِيشَتِهِ أنْ يَقُولَ إذا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ: بِسْمِ اللَّهِ على نَفْسِي ومَالي ودِينِي، اللَّهُمَّ رضّنِي بِقَضائِك، وباركْ لي فِيما قُدّرَ لي حتَّى لا أُحِبَّ تَعْجِيلَ ما أخَّرْتَ ولا تأخيرَ ما عَجَّلْتَ".(29)
بابُ ما يقولُه لدفعِ الآفَاتِ
1/328 روينا في كتاب ابن السني، عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ما أنْعَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ على عَبْدٍ نِعْمَةً في أهْلٍ ومَالٍ وَوَلَدٍ فَقالَ: ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، فَيَرَى فِيها آفَةً دونَ المَوْتِ".(30)
بابُ ما يقولُه إذا أصابتهُ نكبةٌ قليلةٌ أو كثيرةٌ
(31)
قال اللّه تعالى: {وَبَشِّر الصَّابِرينَ الَّذينَ إذَا أصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ (32)قالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهمْ وَرَحْمَةٌ وَ أُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ} البقرة: 155ـ156.
1/329 وروينا في كتاب ابن السني، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لِيَسْتَرْجِعْ أحَدُكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ حتَّى فِي شِسْعِ نَعْلِهِ، فإنَّها مِنَ المَصَائِبِ".(33)
قلت: الشسع: بكسر الشين المعجمة ثم بإسكان السين المهملة، وهو أحد سُيور النعل التي تشدّ إلى زِمَامِها
بابُ ما يقولُه إذا كان عليه دينٌ عَجَزَ عنه
1/330 روينا في كتاب الترمذي عن عليّ رضي اللّه عنه أن مُكاتباً جاءه فقال: إني عجزتُ عن كتابتي فأعنّي، قال: ألا أُعلّمك كلماتٍ علمنيهن رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لو كان عليك مثل جبل صِيْرٍ ديناً أدّاه عنك؟ قل: "اللَّهُمَّ اكْفِني بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأغْنِني بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ" قال الترمذي: حديث حسن. وقد قدّمنا في باب ما يُقال عند الصباح والمساء حديث أبي داود (34)
بابُ ما يقولُه مَنن بُلي بالوَحْشة
1/331 روينا في كتاب ابن السني، عن الوليد بن الوليد رضي اللّه عنه أنه قال: يارسول اللّه! إني أجدُ وحشةً، قال:"إذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَقُلْ: أعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ، وَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ وأنْ يَحْضُرُونِ. فإنَّها لا تَضُرُّكَ أوْ لا تَقْرَبُكَ".(35)
2/332 وروينا فيه، عن البراء بن عازب رضي اللّه عنهما قال: أتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلٌ يشكو إليه الوحشة، فقال: "أكْثِرْ مِنْ أنْ تَقُولَ: سُبْحانَ المَلِكِ القُدُّوسِ ربِّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ، جَلَّلْتَ السَّمَوَاتِ وَ الأرْضَ بالعِزَّةِ والجبَرُوتِ"، فقالها الرجلُ فذهبتْ عنه الوحشة. (36)
بابُ ما يقولُه مَنْ بُلي بالوَسْوَسَة
قال اللّه تعالى: {وَ إمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ باللَّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} فصلت:36 فأحسنُ ما يُقال ما أدَّبَنا اللّه تعالى به وأمرَنا بقوله.
1/333 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "يأتِي الشَّيْطانُ أحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فإذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ باللّه وَلْيَنْتَهِ" وفي رواية في الصحيح: "لا يَزالُ النَّاسُ يَتَساءلُونَ حتَّى يُقالَ هَذَا: خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذلكَ شَيْئاً فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ وَرُسُلِهِ".(37)
2/334 وروينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ وَجَدَ مِنْ هَذَا الوَسْوَاسِ فَلْيَقُلْ: آمَنَّا باللَّهِ وَبِرُسُلِهِ ثَلاثاً. فإنَّ ذلكَ يَذْهَبُ عَنْهُ".(38)
3/335 وروينا في صحيح مسلم، عن عثمان بن أبي العاصي (عن عثمان بن أبي العاصي: هو الثقفي الطائفي قدم على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في وفد ثقيف سنة تسع. واستعمله النبيّ صلى اللّه عليه وسلم عليهم وعلى الطائف، وكان أحدث القوم سنّاً، وأقرّه عليها أبو بكر وعمر، واستعمله عمر أيضاً على عمان والبحرين، روى له فيما قيل عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم تسعة عشر حديثاً، أخرج مسلم عنه ثلاثة أحاديث، ولم يخرّج عنه البخاري، وخرّج عنه الأربعة، روى عنه ابن المسيب في آخرين، نزل البصرة ومات بها في زمن معاوية سنة إحدى وخمسين) " رضي اللّه عنه قال: قلتُ يا رسول اللّه إن الشيطان قد حال ("قد حال" بالحاء المهملة: أي جعل بيني وبين كمال الصلاة والقراءة حاجزاً من وسوسته المانعة من رُوح العبادة وسرّها، وهو الخشوع) بيني وبين صلاتي وقراءتي يَلْبِسُهَا عليّ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ذلكَ شَيْطانٌ يُقالُ لَهُ خِنْزَبٌ، فإذَا أحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ باللَّهِ مِنْهُ وَ اتْفُلْ عَنْ يَسارِكَ ثَلاثاً" ففعلتُ ذلك فأذهبه اللّه عنه.
قلتُ: خِنْزب بخاء معجمة ثم نون ساكنة ثم زاي مفتوحة ثم باء موحدة، واختلف العلماء في ضبط الخاء منه، فمنهم من فتحها، ومنهم من كسرها، وهذان مشهوران، ومنهم من ضمَّها حكاه ابن الأثير في نهاية الغريب، والمعروف الفتح والكسر. (39) "
4/336 وروينا في سنن أبي داود بإسناد جيد، عن أبي زُمَيْل قال: قلت لابن عباس: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: واللّه لا أتكلم به، فقال لي: أشيء من شكّ؟ وضحك وقال: ما نجا منه أحدٌ حتى أنزل اللّه تعالى: {فإنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أنْزَلْنا إلَيْكَ} الآية، يونس:94 فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئاً فقل {هُوَ الأوَّلُ والآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالباطِنُ وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الحديد:3.
وروينا بإسنادنا الصحيح في رسالة الأستاذ أبي القاسم القُشيري رحمه اللّه، عن أحمد بن عطاء الروذباري السيد الجليل رضي اللّه عنه قال: كان لي استقصاء في أمر الطهارة، وضاق صدري ليلة لكثرة ما صببتُ من الماء ولم يسكنْ قلبي، فقلت: يا ربّ عفوك عفوك، فسمعتُ هاتفاً يقول: العفو في العلم، فزال عني ذلك. وقال بعض العلماء: يستحبّ قول "لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ" لمن ابتلي بالوسوسة في الوضوء أو في الصلاة أو شبههما، فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس: أي تأخر وبعد، ولا إِله إِلاَّ اللَّه رأسُ الذكر، ولذلك اختار السادة الأجلّة من صفوة هذه الأمة أهل تربية السالكين وتأديب المريدين قول: لا إِله إِلاَّ اللّه لأهل الخلوة وأمروهم بالمداومة عليها، وقالوا: أنفع علاج في دفع الوسوسة الإِقبال على ذكر اللّه تعالى والإِكثار منه. وقال السيد الجليل أحمد بن أبي الحواري ـ بفتح الراء وكسرها ـ شكوتُ إلى أبي سُليمان الداراني الوسواس، فقال: إذا أردت أن ينقطع عنك، فأيّ وقت أحْسَسْتَ به فافرح، فإنك إذا فرحتَ به انقطع عنك، لأنه ليس شيء أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، وإن اغتممت به زادك. قلت: وهذا مما يُؤيد ما قاله بعض الأئمة: إن الوسواس إنما يُبتلى به من كمل إيمانه، فإن اللصّ لا يقصد بيتاً خرباً. (40)
بابُ ما يُقرأُ على المَعْتُوهِ والمَلْدُوغ
1/337 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال: انطلق نفرٌ من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في سَفْرة سافروها، حتى نزلوا على حيٍّ من أحياء العرب، فاستضافُوهم فأبوا أن يُضيِّفوهم، فلُدغ سيِّدُ ذلك الحيّ، فسعَوْا له بكل شيء لا ينفعُه شيءٌ، فقال بعضُهم: لو أتيتم هؤلاء الرَّهَطَ الذين نزلوا لعلَّهم أن يكونَ عندهم بعضُ شيءٍ، فأتوهُم فقالوا: يا أيُّها الرَّهط إنَّ سيدنا لُدغ وسعينا له بكلّ شيءٍ لا ينفعه شيء، فهل عندَ أحدٍ منكم من شيءٍ؟ قال بعضُهم: إني واللّه لأَرْقي، ولكنْ واللّه لقد استضفناكم فلم تضيِّفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلاً (41) ، فصالحُوهم على قطيع من الغنم، فانطلقَ يتفلُ عليه ويقرأُ: (الحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العَالَمِينَ) ، فكأنما نَشِطَ من عِقَال، فانطلقَ يمشي وما به قَلَبَة، فأوفوهم جُعْلَهم الذي صالحوهم عليه، وقال بعضُهم: اقسموا فقال الذي رَقَى: لا تفعلوا حتى نأتيَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فنذكرَ له الذي كان، فننظر الذي يأمرنا، فقدموا على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فذكروا له، فقال: "وَما يُدْرِيكَ أنها رُقْيَةٌ؟ ثم قال: قَدْ أصَبْتُمُ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لي مَعَكُم سَهماً"، وضحك النبيّ صلى اللّه عليه وسلم. هذا لفظ رواية البخاري وهي أتمّ الروايات. وفي رواية "فجعل يقرأ أُمّ الكتاب ويجمع بزاقه ويتفل، فبرىء الرجل" وفي رواية "فأمر له بثلاثين شاة".
قلت: قوله "وما به قَلَبَة" وهي بفتح القاف واللام والباء الموحدة: أي وجع. (42)
2/338 وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل عن أبيه قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: إن أخي وجع، فقال: "وَما وَجَعُ أخِيكَ؟ قال: به لمم، قال: فابْعَث بِهِ إليَّ"، فجاء فجلس بين يديه، فقرأ عليه النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: فاتحة الكتاب، وأربع آياتٍ من أوّل سورة البقرة، وآيتين من وسطها: {وإلهُكُمْ إِلهُ وَاحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. إنَّ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأرْضِ} حتى فرغ من الآية البقرة: 163ـ164 وآية الكرسي، وثلاث آيات من آخر سورة البقرة، وآية من أوّل سورة آل عمران، و{شَهِدَ اللَّهُ أنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ..} إلى آخر الآية آل عمران: 18 وآية من سورة الأعراف: {إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأرْضِ} الأعراف:54 وآية من سورة المؤمنين: {فَتَعَالى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِله إِلاَّ هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ} المؤمنون:116 وآية من سورة الجنّ: {وأنَّه تَعالى جَدُّ رَبِّنا ما اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً} الجن: 3 وعشر آيات من سورة الصّافّات من أوّلها، وثلاثاً من آخر سورة الحشر، و{قل هو اللّه أحد} والمعوّذتين. (43). (ابن السني (637) وإسناده ضعيف، انظر الفتوحات 4/42.) "
3/339 وروينا في سنن أبي داود بإسناد صحيح، عن خارجة بن الصلت، عن عمّه قال: أتيتُ النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم فأسلمت، ثم رجعتُ فمررتُ على قوم عندهم رجل مجنون مُوثق بالحديد فقال أهله: إنّنا حُدِّثنا أن صاحبَك هذا قد جاء بخير، فهل عندك شيءٌ تُداويه، فرقيته بفاتحة الكتاب فبرىء، فأعطوني مِئَةَ شاة، فأتيت النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فأخبرتُه، فقال: "هَلْ إِلاَّ هَذَا؟" وفي رواية: "هَلْ قُلْتَ غَيْرَ هَذَا؟ قلتُ: لا، قال: خُذْها فَلَعَمرِي لَمَنْ أكَلَ بِرُقْيَةِ باطِلٍ، لَقَدْ أكَلْتَ بِرُقْيَةٍ حَقٍّ".(44)
4/340 وروينا في كتاب ابن السني بلفظ آخر، وهي رواية أخرى لأبي داود، قال فيها عن
خارجة عن عمّه قال: أقبلنا من عند النبيّ فأتينا على حيّ من العرب، فقالوا: عندكم دواءٌ، فإن عندنا معتوهاً في القيود، فجاؤوا بالمعتوه في القيود، فقرأتُ عليه فاتحةَ الكتاب ثلاثةَ أيامٍ غدْوةً وعشيّةً أجمع بزاقي ثم أتفلُ، فكأنما نَشِطَ من عِقال، فأعطوني جُعْلاً، فقلتُ: لا، فقالوا: سلِ النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم، فسألته فقال: "كُلْ (45) فَلَعَمْرِي مَنْ أكَلَ بِرُقْيَةِ باطِلٍ، لَقَدْ أكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ" قلت: هذا العمّ اسمه عِلااقة بن صُحَار (46)
5/341 وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه أنه قرأ في أُذن مبتلى فأفاق، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَا قَرأتَ في أُذُنِهِ؟" قال: قرأت {أَفَحَسِبْتُمْ أنّمَا خَلَقْناكُمْ عَبَثاً} المؤمنون: 115 حتى فرغ من آخر السورة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لَوْ أنَّ رَجُلاً مُوقِناً قَرأ بِها على جَبَلٍ لَزَالَ".(47)
بابُ ما يُعَوَّذُ به الصِّبْيَانُ وغيرُهم
1/342 روينا في صحيح البخاري رحمه اللّه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: "كان رسولُ اللَّه صلى اللّه عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين: أُعِيذُكُما بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ وَهامَّةِ، وَمِنْ كُلّ عَيْنٍ لامَّةٍ ويقول: إنَّ أباكُما كان يُعَوِّذُ بِها إسْماعِيلَ وَإسْحاقَ" صلى اللّه عليهم أجمعين وسلم. (48)
قلتُ: قال العلماء: الهامَّة بتشديد الميم: وهي كلّ ذات سمّ يقتل كالحيّة وغيرها، والجمع الهوامّ، قالوا: وقد يقع الهوامّ على ما يدبّ من الحيوان وإن لم يقتل كالحشرات. ومنه حديث كعب بن عجرة رضي اللّه عنه "أيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رأسِكَ؟" أي القمل. وأما العين اللامّة بتشديد الميم: وهي التي تُصيب ما نظرت إليه بسوء.
بابُ ما يُقالُ على الخُرَّاجِ والبَثَرَةِ ونحوهما
في الباب حديث عائشة الآتي (49) قريباً في باب ما يقوله المريض ويُقرأ عليه.
1/343 روينا في كتاب ابن السني، عن بعض أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قالت: دخل عليَّ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد خرجَ في أصبعي بثرة، فقال: "عِنْدَكِ ذَرِيرَةٌ؟" فوضعها عليها وقال: "قُولي اللَّهُم مُصَغِّرَ الكَبِيرِ وَمُكَبِّرَ الصَّغِيرِ صَغِّرْ ما بِي. فطفئت".(50)
قلتُ: البثرة بفتح الباء الموحدة وإسكان الثاء المثلثة، وبفتحها أيضاً لغتان: وهو خُرَّاجٌ صِغار، ويقال بَثِر وجهه وبثر بكسر الثاء وفتحها وضمّها ثلاث لغات. وأما الذَّريرة: فهي فتات قَصَبٍ من قصبِ الطيب يُجاء به من الهند.
-------------------
اقرأ بعده
اعلم أن ما ذكرته في الأبواب السابقة يتكرّرُ في كل يوم وليلة على حسب ما تقدَّم وتبين. وأما ما أذكرهُ الآن فهي أذكارٌ ودعوات تكون في أوقات لأسباب عارضات، فلهذا لا يُلتزم فيها ترتيب.
بابُ دُعاءِ الاسْتِخَارة
1/303 روينا في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن، يقول: "إذَا هَمَّ أحَدُكُمْ بالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وأسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أعْلَمُ، وأنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ خَيْرٌ لي فِي دِيني وَمَعاشِي وَعاقِبَةِ أمْرِي، أو قال: عاجلِ أمْرِي وآجِلِهِ، فاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لي، ثُم بارِكْ لي فِيهِ، وَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي وَمعاشِي وَعاقِبَةِ أمْرِي، أو قال: عاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ، فاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ، قال: ويُسمِّي حاجَتَهُ".
قال العلماء: تستحبّ الاستخارة بالصلاة والدعاء المذكور، وتكون الصلاة ركعتين من النافلة، والظاهر أنها تحصل بركعتين من السنن الرواتب، وبتحية المسجد وغيرها من النوافل؛ ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة: قل يا أيّها الكافرون، وفي الثانية: قل هو اللّه أحد؛ ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء. ويستحبّ افتتاح الدعاء المذكور وختمه بالحمد للّه والصلاة والتسليم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ ثم إن الاستخارة مستحبّة في جميع الأمور كما صرَّح به نصُّ هذا الحديث الصحيح، وإذا استخار مضى بعدها لما ينشرحُ له صدره. واللّه أعلم. (1)
2/304 وروينا في كتاب الترمذي بإسناد ضعيف ضعَّفه الترمذي وغيره، عن أبي بكر رضي اللّه عنه،
أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا أراد الأمر قال: "اللَّهُمَّ خِرْ لي وَاخْتَرْ لي".(2)
3/305 وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "يا أنَسُ، إذَا هَمَمْتَ بِأمْرٍ فاسْتَخِرْ رَبَّكَ فيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْظُرْ إلى الَّذي سَبَقَ إلى قَلْبِكَ، فإنَّ الخَيْرَ فِيهِ" إسناده غريب، فيه مَنْ لا أعرفهم. (3)
أبواب الأذكار التي تُقال في أوقات الشِّدَّة وعلى العَاهات)
بابُ دعاءِ الكَرْبِ والدعاءُ عندَ الأمورِ المهمّة
1/306 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول عند الكرب: "لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأرْضِ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمُ" وفي رواية لمسلم "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا حَزَبَه أمر قال ذلك". قوله "حزبه أمر": أي نزل (4)
2/307 وروينا في كتاب الترمذي، عن أنس رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم؛ أنه كان إذا أكربه أمر قال: "يا حَيُّ يا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ" قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد. (5)
3/308 وروينا فيه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا أهمّه الأمر رفع رأسه إلى السماء فقال: "سُبْحانَ اللّه العَظِيمِ" وإذا اجتهد في الدعاء قال:"يا حَيُّ يا قَيُّومُ".(6)
4/309 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي اللّه عنه قال: كان أكثر دعاء النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: " اللَّهُمَّ آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً، وفي الآخِرَةِ حَسَنةً، وَقِنا عَذَابَ النَّارِ" زاد مسلم في روايته قال: وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، فإذا أراد أن يدعوَ بدعاء دعا بها فيه. (7)
5/310 وروينا في سنن النسائي وكتاب ابن السني، عن عبد اللّه بن جعفر، عن عليّ رضي اللّه عنهم قال: لَقَّنني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هؤلاء الكلمات، وأمرني إن نزل بي كرب أو شدّة أن أقولها: "لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ الكَرِيمُ العَظِيمُ، سُبْحانَهُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العَرْش العَظِيمِ، الحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العالَمِينَ". وكان عبد اللّه بن جعفر يلقنها وينفث بها على الموعوك، ويعلِّمها المغتربة من بناته. قلت: الموعوك: المحموم، وقيل: هو الذي أصابه مغث الحمى. والمغتربة من النساء: التي تُزوَّج إلى غير أقاربها. (8)
6/311 وروينا في سنن أبي داود، عن أبي بكرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "دَعَوَاتُ المَكْرُوب: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أرْجُو فَلا تَكِلْنِي إلى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وأصْلِحْ لي شَأنِي كُلَّهُ، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ".(9)
7/312 وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه، عن أسماء بنت عُمَيْس رضي اللّه عنها، قالت:
قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم: "ألا أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ تَقُولِيْنَهُنَّ عِنْدَ الكَرْبِ ـ أو في الكرب ـ اللَّهُ اللَّهُ رَبي لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً".(10)
8/313 وروينا في كتاب ابن السني، عن أبي قتادة رضي اللّه عنه قال: قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ قرأ آيَةَ الكُرْسِيّ وَخَوَاتِيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ عِنْدَ الكَرْبِ، أغاثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ".(11)
9/314 وروينا فيه، عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه قال: سمعتُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "إِني لأَعْلَمُ كَلِمَةً لا يَقُولُهَا مَكْرُوبٌ إِلاَّ فُرِّجَ عَنْهُ: كَلِمَةَ أخي يُونُسَ صَلَّى اللّه عليه وسلَّمَ {فنَادَى فِي الظُّلُماتِ: أنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ سُبْحانَكَ إني كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} الأنبياء:87".
ورواه الترمذي عن سعد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إذْ دَعا رَبَّهُ وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ: لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، لَمْ يَدْعُ بِها رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْء قَطُّ إِلاَّ اسْتَجابَ لَهُ".(12)
بابُ ما يقولُه إذا راعَه شيءٌ أو فَزِعَ
1/315 وروينا في كتاب ابن السني، عن ثوبانَ رضي اللّه عنه؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا راعَه شيءٌ قال: "هُوَ اللَّهُ، اللَّهُ رَبِّي لا شَرِيكَ لَهُ".(13)
2/316 وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يعلِّمهم من الفزع كلماتٍ: "أعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِن غَضَبِهِ وَشَرّ عِبادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وأنْ يَحْضُرُونِ" وكان عبد اللّه بن عمرو يعلِّمهنّ من عَقَل من بنيه، ومن لم يعقلْ كتبه فعلَّقه عليه. قال الترمذي: حديث حسن. (14)
بابُ ما يَقُولُ إذا أصابَه همٌّ أو حَزَن
1/317 روينا في كتاب ابن السني، عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ أصَابَهُ هَمٌّ أوْ حَزَنٌ فَلْيَدْعُ بِهَذِهِ الكَلِماتِ، يَقُولُ: أنا عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ فِي قَبْضَتِكَ، ناصِيَتِي بِيَدِكَ، ماضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ؛ أسألُكَ بِكُلّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أوْ أنْزَلْتَهُ فِي كِتابِكَ، أوْ عَلَّمْتَه أحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أوِ اسْتَأثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ أنْ تَجْعَلَ القُرآنَ نُورَ صَدْرِي، وَرَبِيعَ قَلْبِي، وَجلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمّي. فقال رجل من القوم: يا رسول اللّه! إن المغبونَ لمن غُبن هؤلاء الكلمات، فقال: أجَلْ فَقُولُوهُنَّ وَعَلِّمُوهُنَّ، فإنَّهُ مَنْ قَالَهُنَّ الْتِماسَ ما فِيهِنَّ أذْهَبَ اللَّهُ تَعالى حُزْنَهُ، وأطالَ فَرَحَهُ".(15)
بابُ ما يَقولُه إذا وقعَ في هَلَكَة
1/318 روينا في كتاب ابن السني، عن عليّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "يا عَلِيُّ! ألا أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ إِذَا وَقَعْتَ فِي وَرْطَةٍ قُلْتَها؟ قلتُ: بلى، جعلني اللّه فِداءَك، قال: إذَا وَقَعْتَ فِي وَرْطَةٍ فَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ العَلِيّ العَظِيمِ. فإنَّ اللَّهَ تَعالى يَصْرِفُ بها ما شاءَ مِنْ أنْوَاعِ البَلاءِ".(16)
قلت: الوَرْطَة بفتح الواو وإسكان الراء: وهي الهلاك.
بابُ ما يَقولُ إذا خافَ قوماً
1/319 روينا بالإِسناد الصحيح في سنن أبي داود والنسائي، عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا خاف قوماً قال: "اللَّهُمَّ إنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ".(17)
بابُ ما يَقولُ إذا خافَ سُلْطاناً
1/320 روينا في كتاب ابن السني، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إذَا خِفْتَ سُلْطاناً أوْ غَيْرَهُ، فَقُلْ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ الحَلِيمُ الحَكِيمُ، سُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، عَزَّ جارُكَ، وَجَلَّ ثَناؤُكَ" ويستحبُّ أن يقول ما قدَّمناه في الباب السابق من حديث أبي موسى. (18)
بابُ ما يَقولُ إذا نظرَ إلى عدوّه
1/321 روينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي اللّه عنه، قال: كنا مع النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في غزوة فلقي العدوّ، فسمعته يقول: " يا مالِكَ يَوْمِ الدّينِ إيَّاك أعْبُدُ وإيَّاكَ أسْتَعِينُ" فلقد رأيتُ الرجالَ تُصرع، تضربُها الملائكةُ من بين أيديها ومن خلفها. ويُستحبُّ ما قدَّمناه في الباب السابق من حديث أبي موسى. (19)
بابُ ما يَقُولُ إذا عرضَ له شيطانٌ أو خَافَهُ
قال اللّه تعالى: {وإمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ باللّه إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} فصلت:36 وقال تعالى: {وَإذَا قَرأتَ القُرآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِين لا يُؤْمِنُونَ بالآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً} الإِسراء:45 فينبغي أن يتعوّذ ثم يقرأ من القرآن ما تيسَّر.
1/322 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال: "قام رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يُصلِّي، فسمعناه يقول: أعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، ثم قال: ألْعَنُك بِلَعْنَةِ اللَّهِ ثَلاثاً، وبسطَ يدَه كأنَّه يتناول شيئاً، فلما فرغَ من الصلاة قلنا: يا رسول اللّه! سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعْكَ تقولُه قبلَ ذلك، ورأيناكَ بسطتَ يدَكَ، قال: إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جاءَ بِشِهابٍ مِنْ نارٍ لِيَجْعَلَهُ في وَجْهِي، فَقُلْتُ: أَعُوذُ باللَّهِ مِنْكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْتُ: ألْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللّه التَّامَّةِ (20)( بلعنة اللّه التامة قال القاضي: يحتمل تسميتها التامة: أي لا نقص فيها، ويحتمل الواجبة له المستحقة عليه، أو الموجبة عليه العقاب سرمداً. وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: أشار بتامة إلى دوامها. الفتوحات 4/21) "( بلعنة اللّه التامة قال القاضي: يحتمل تسميتها التامة: أي لا نقص فيها، ويحتمل الواجبة له المستحقة عليه، أو الموجبة عليه العقاب سرمداً. وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: أشار بتامة إلى دوامها. الفتوحات 4/21) " فاسْتأخَرَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أرَدْتُ أنْ آخُذَهُ، وَاللَّهِ لَوْلا دَعْوَةُ أخي سُلَيْمانَ (21)لأصْبَحَ مُوثَقاً تَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أهْلِ المَدِينَةِ".(22)
قلت: وينبغي أن يؤذّن أذان الصلاة.
2/323 فقد روينا في صحيح مسلم، عن سُهيل بن أبي صالح أنه قال: أرسلني أبي إلى بني حارثة ومعي غلام لنا أو صاحب لنا، فناداه مُنادٍ من حائط باسمه، وأشرف الذي معي على الحائط فلم يرَ شيئاً، فذكرتُ ذلك لأبي، فقال: لو شعرتُ أنك تَلقى هذا لم أرسلك، ولكن إذا سمعت صوتاً فنادِ بالصلاة، فإني سمعت أبا هريرة رضي اللّه عنه يحدّث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "إنَّ الشَّيْطانَ إذَا نُودِيَ بالصَّلاةِ أدْبَرَ".(23)
بابُ ما يَقُولُ إذا غلبَه أمرٌ
1/324 روينا في صحيح مسلم عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:" المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ باللَّهِ ولا تَعْجِزَنَّ (24) وإنْ أصابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَني فَعَلْتُ كَذَا كانَ كَذَا وَكَذَا، وَ لَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَما شاء فَعَلَ، فإنَّ "لَوْ" تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ".(25)
2/325 وروينا في سنن أبي داود، عن عوف بن مالك رضي اللّه عنه؛أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم قضى بين رجلين فقال المقضيّ عليه لمّا أدبر: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ تَعالى يَلُومُ على العَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بالكَيْسِ فإذَا غَلَبَكَ أمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ".
(26) ، وقال الحافظ: هذا حديث حسن أخرجه أبو داود والنسائي، وفي سنده سيف (27)
قلت: الكَيْس بفتح الكاف وإسكان الياء، ويطلق على معان: منها الرفق، فمعناه واللّه أعلم: عليك بالعمل في رفق بحيث تُطيق الدوام عليه.
بابُ ما يقولُ إذا استصعبَ عليه أمرٌ
1/326 روينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي اللّه عنه؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "اللَّهُمَّ لا سَهْلَ إِلاَّ ما جَعَلْتَهُ سَهْلاً، وأنْتَ تَجْعَلُ الحَزْنَ إذَا شِئْتَ سَهْلاً" قلتُ: الحَزْن بفتح الحاء المهملة وإسكان الزاي: وهو غليظ الأرض وخشنها. (28)
بابُ ما يقولُ إذا تَعَسَّرَتْ عليه معيشتُه
1/327 روينا في كتاب ابن السني، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال:"ما يمْنَعُ أحَدَكُمْ إذَا عَسُرَ عَلَيْهِ أمْرُ مَعِيشَتِهِ أنْ يَقُولَ إذا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ: بِسْمِ اللَّهِ على نَفْسِي ومَالي ودِينِي، اللَّهُمَّ رضّنِي بِقَضائِك، وباركْ لي فِيما قُدّرَ لي حتَّى لا أُحِبَّ تَعْجِيلَ ما أخَّرْتَ ولا تأخيرَ ما عَجَّلْتَ".(29)
بابُ ما يقولُه لدفعِ الآفَاتِ
1/328 روينا في كتاب ابن السني، عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ما أنْعَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ على عَبْدٍ نِعْمَةً في أهْلٍ ومَالٍ وَوَلَدٍ فَقالَ: ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، فَيَرَى فِيها آفَةً دونَ المَوْتِ".(30)
بابُ ما يقولُه إذا أصابتهُ نكبةٌ قليلةٌ أو كثيرةٌ
(31)
قال اللّه تعالى: {وَبَشِّر الصَّابِرينَ الَّذينَ إذَا أصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ (32)قالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهمْ وَرَحْمَةٌ وَ أُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ} البقرة: 155ـ156.
1/329 وروينا في كتاب ابن السني، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لِيَسْتَرْجِعْ أحَدُكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ حتَّى فِي شِسْعِ نَعْلِهِ، فإنَّها مِنَ المَصَائِبِ".(33)
قلت: الشسع: بكسر الشين المعجمة ثم بإسكان السين المهملة، وهو أحد سُيور النعل التي تشدّ إلى زِمَامِها
بابُ ما يقولُه إذا كان عليه دينٌ عَجَزَ عنه
1/330 روينا في كتاب الترمذي عن عليّ رضي اللّه عنه أن مُكاتباً جاءه فقال: إني عجزتُ عن كتابتي فأعنّي، قال: ألا أُعلّمك كلماتٍ علمنيهن رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لو كان عليك مثل جبل صِيْرٍ ديناً أدّاه عنك؟ قل: "اللَّهُمَّ اكْفِني بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأغْنِني بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ" قال الترمذي: حديث حسن. وقد قدّمنا في باب ما يُقال عند الصباح والمساء حديث أبي داود (34)
بابُ ما يقولُه مَنن بُلي بالوَحْشة
1/331 روينا في كتاب ابن السني، عن الوليد بن الوليد رضي اللّه عنه أنه قال: يارسول اللّه! إني أجدُ وحشةً، قال:"إذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَقُلْ: أعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ، وَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ وأنْ يَحْضُرُونِ. فإنَّها لا تَضُرُّكَ أوْ لا تَقْرَبُكَ".(35)
2/332 وروينا فيه، عن البراء بن عازب رضي اللّه عنهما قال: أتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلٌ يشكو إليه الوحشة، فقال: "أكْثِرْ مِنْ أنْ تَقُولَ: سُبْحانَ المَلِكِ القُدُّوسِ ربِّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ، جَلَّلْتَ السَّمَوَاتِ وَ الأرْضَ بالعِزَّةِ والجبَرُوتِ"، فقالها الرجلُ فذهبتْ عنه الوحشة. (36)
بابُ ما يقولُه مَنْ بُلي بالوَسْوَسَة
قال اللّه تعالى: {وَ إمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ باللَّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} فصلت:36 فأحسنُ ما يُقال ما أدَّبَنا اللّه تعالى به وأمرَنا بقوله.
1/333 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "يأتِي الشَّيْطانُ أحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فإذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ باللّه وَلْيَنْتَهِ" وفي رواية في الصحيح: "لا يَزالُ النَّاسُ يَتَساءلُونَ حتَّى يُقالَ هَذَا: خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذلكَ شَيْئاً فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ وَرُسُلِهِ".(37)
2/334 وروينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ وَجَدَ مِنْ هَذَا الوَسْوَاسِ فَلْيَقُلْ: آمَنَّا باللَّهِ وَبِرُسُلِهِ ثَلاثاً. فإنَّ ذلكَ يَذْهَبُ عَنْهُ".(38)
3/335 وروينا في صحيح مسلم، عن عثمان بن أبي العاصي (عن عثمان بن أبي العاصي: هو الثقفي الطائفي قدم على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في وفد ثقيف سنة تسع. واستعمله النبيّ صلى اللّه عليه وسلم عليهم وعلى الطائف، وكان أحدث القوم سنّاً، وأقرّه عليها أبو بكر وعمر، واستعمله عمر أيضاً على عمان والبحرين، روى له فيما قيل عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم تسعة عشر حديثاً، أخرج مسلم عنه ثلاثة أحاديث، ولم يخرّج عنه البخاري، وخرّج عنه الأربعة، روى عنه ابن المسيب في آخرين، نزل البصرة ومات بها في زمن معاوية سنة إحدى وخمسين) " رضي اللّه عنه قال: قلتُ يا رسول اللّه إن الشيطان قد حال ("قد حال" بالحاء المهملة: أي جعل بيني وبين كمال الصلاة والقراءة حاجزاً من وسوسته المانعة من رُوح العبادة وسرّها، وهو الخشوع) بيني وبين صلاتي وقراءتي يَلْبِسُهَا عليّ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ذلكَ شَيْطانٌ يُقالُ لَهُ خِنْزَبٌ، فإذَا أحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ باللَّهِ مِنْهُ وَ اتْفُلْ عَنْ يَسارِكَ ثَلاثاً" ففعلتُ ذلك فأذهبه اللّه عنه.
قلتُ: خِنْزب بخاء معجمة ثم نون ساكنة ثم زاي مفتوحة ثم باء موحدة، واختلف العلماء في ضبط الخاء منه، فمنهم من فتحها، ومنهم من كسرها، وهذان مشهوران، ومنهم من ضمَّها حكاه ابن الأثير في نهاية الغريب، والمعروف الفتح والكسر. (39) "
4/336 وروينا في سنن أبي داود بإسناد جيد، عن أبي زُمَيْل قال: قلت لابن عباس: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: واللّه لا أتكلم به، فقال لي: أشيء من شكّ؟ وضحك وقال: ما نجا منه أحدٌ حتى أنزل اللّه تعالى: {فإنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أنْزَلْنا إلَيْكَ} الآية، يونس:94 فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئاً فقل {هُوَ الأوَّلُ والآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالباطِنُ وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الحديد:3.
وروينا بإسنادنا الصحيح في رسالة الأستاذ أبي القاسم القُشيري رحمه اللّه، عن أحمد بن عطاء الروذباري السيد الجليل رضي اللّه عنه قال: كان لي استقصاء في أمر الطهارة، وضاق صدري ليلة لكثرة ما صببتُ من الماء ولم يسكنْ قلبي، فقلت: يا ربّ عفوك عفوك، فسمعتُ هاتفاً يقول: العفو في العلم، فزال عني ذلك. وقال بعض العلماء: يستحبّ قول "لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ" لمن ابتلي بالوسوسة في الوضوء أو في الصلاة أو شبههما، فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس: أي تأخر وبعد، ولا إِله إِلاَّ اللَّه رأسُ الذكر، ولذلك اختار السادة الأجلّة من صفوة هذه الأمة أهل تربية السالكين وتأديب المريدين قول: لا إِله إِلاَّ اللّه لأهل الخلوة وأمروهم بالمداومة عليها، وقالوا: أنفع علاج في دفع الوسوسة الإِقبال على ذكر اللّه تعالى والإِكثار منه. وقال السيد الجليل أحمد بن أبي الحواري ـ بفتح الراء وكسرها ـ شكوتُ إلى أبي سُليمان الداراني الوسواس، فقال: إذا أردت أن ينقطع عنك، فأيّ وقت أحْسَسْتَ به فافرح، فإنك إذا فرحتَ به انقطع عنك، لأنه ليس شيء أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، وإن اغتممت به زادك. قلت: وهذا مما يُؤيد ما قاله بعض الأئمة: إن الوسواس إنما يُبتلى به من كمل إيمانه، فإن اللصّ لا يقصد بيتاً خرباً. (40)
بابُ ما يُقرأُ على المَعْتُوهِ والمَلْدُوغ
1/337 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال: انطلق نفرٌ من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في سَفْرة سافروها، حتى نزلوا على حيٍّ من أحياء العرب، فاستضافُوهم فأبوا أن يُضيِّفوهم، فلُدغ سيِّدُ ذلك الحيّ، فسعَوْا له بكل شيء لا ينفعُه شيءٌ، فقال بعضُهم: لو أتيتم هؤلاء الرَّهَطَ الذين نزلوا لعلَّهم أن يكونَ عندهم بعضُ شيءٍ، فأتوهُم فقالوا: يا أيُّها الرَّهط إنَّ سيدنا لُدغ وسعينا له بكلّ شيءٍ لا ينفعه شيء، فهل عندَ أحدٍ منكم من شيءٍ؟ قال بعضُهم: إني واللّه لأَرْقي، ولكنْ واللّه لقد استضفناكم فلم تضيِّفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلاً (41) ، فصالحُوهم على قطيع من الغنم، فانطلقَ يتفلُ عليه ويقرأُ: (الحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العَالَمِينَ) ، فكأنما نَشِطَ من عِقَال، فانطلقَ يمشي وما به قَلَبَة، فأوفوهم جُعْلَهم الذي صالحوهم عليه، وقال بعضُهم: اقسموا فقال الذي رَقَى: لا تفعلوا حتى نأتيَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فنذكرَ له الذي كان، فننظر الذي يأمرنا، فقدموا على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فذكروا له، فقال: "وَما يُدْرِيكَ أنها رُقْيَةٌ؟ ثم قال: قَدْ أصَبْتُمُ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لي مَعَكُم سَهماً"، وضحك النبيّ صلى اللّه عليه وسلم. هذا لفظ رواية البخاري وهي أتمّ الروايات. وفي رواية "فجعل يقرأ أُمّ الكتاب ويجمع بزاقه ويتفل، فبرىء الرجل" وفي رواية "فأمر له بثلاثين شاة".
قلت: قوله "وما به قَلَبَة" وهي بفتح القاف واللام والباء الموحدة: أي وجع. (42)
2/338 وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل عن أبيه قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: إن أخي وجع، فقال: "وَما وَجَعُ أخِيكَ؟ قال: به لمم، قال: فابْعَث بِهِ إليَّ"، فجاء فجلس بين يديه، فقرأ عليه النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: فاتحة الكتاب، وأربع آياتٍ من أوّل سورة البقرة، وآيتين من وسطها: {وإلهُكُمْ إِلهُ وَاحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. إنَّ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأرْضِ} حتى فرغ من الآية البقرة: 163ـ164 وآية الكرسي، وثلاث آيات من آخر سورة البقرة، وآية من أوّل سورة آل عمران، و{شَهِدَ اللَّهُ أنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ..} إلى آخر الآية آل عمران: 18 وآية من سورة الأعراف: {إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأرْضِ} الأعراف:54 وآية من سورة المؤمنين: {فَتَعَالى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِله إِلاَّ هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ} المؤمنون:116 وآية من سورة الجنّ: {وأنَّه تَعالى جَدُّ رَبِّنا ما اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً} الجن: 3 وعشر آيات من سورة الصّافّات من أوّلها، وثلاثاً من آخر سورة الحشر، و{قل هو اللّه أحد} والمعوّذتين. (43). (ابن السني (637) وإسناده ضعيف، انظر الفتوحات 4/42.) "
3/339 وروينا في سنن أبي داود بإسناد صحيح، عن خارجة بن الصلت، عن عمّه قال: أتيتُ النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم فأسلمت، ثم رجعتُ فمررتُ على قوم عندهم رجل مجنون مُوثق بالحديد فقال أهله: إنّنا حُدِّثنا أن صاحبَك هذا قد جاء بخير، فهل عندك شيءٌ تُداويه، فرقيته بفاتحة الكتاب فبرىء، فأعطوني مِئَةَ شاة، فأتيت النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فأخبرتُه، فقال: "هَلْ إِلاَّ هَذَا؟" وفي رواية: "هَلْ قُلْتَ غَيْرَ هَذَا؟ قلتُ: لا، قال: خُذْها فَلَعَمرِي لَمَنْ أكَلَ بِرُقْيَةِ باطِلٍ، لَقَدْ أكَلْتَ بِرُقْيَةٍ حَقٍّ".(44)
4/340 وروينا في كتاب ابن السني بلفظ آخر، وهي رواية أخرى لأبي داود، قال فيها عن
خارجة عن عمّه قال: أقبلنا من عند النبيّ فأتينا على حيّ من العرب، فقالوا: عندكم دواءٌ، فإن عندنا معتوهاً في القيود، فجاؤوا بالمعتوه في القيود، فقرأتُ عليه فاتحةَ الكتاب ثلاثةَ أيامٍ غدْوةً وعشيّةً أجمع بزاقي ثم أتفلُ، فكأنما نَشِطَ من عِقال، فأعطوني جُعْلاً، فقلتُ: لا، فقالوا: سلِ النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم، فسألته فقال: "كُلْ (45) فَلَعَمْرِي مَنْ أكَلَ بِرُقْيَةِ باطِلٍ، لَقَدْ أكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ" قلت: هذا العمّ اسمه عِلااقة بن صُحَار (46)
5/341 وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه أنه قرأ في أُذن مبتلى فأفاق، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَا قَرأتَ في أُذُنِهِ؟" قال: قرأت {أَفَحَسِبْتُمْ أنّمَا خَلَقْناكُمْ عَبَثاً} المؤمنون: 115 حتى فرغ من آخر السورة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لَوْ أنَّ رَجُلاً مُوقِناً قَرأ بِها على جَبَلٍ لَزَالَ".(47)
بابُ ما يُعَوَّذُ به الصِّبْيَانُ وغيرُهم
1/342 روينا في صحيح البخاري رحمه اللّه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: "كان رسولُ اللَّه صلى اللّه عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين: أُعِيذُكُما بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ وَهامَّةِ، وَمِنْ كُلّ عَيْنٍ لامَّةٍ ويقول: إنَّ أباكُما كان يُعَوِّذُ بِها إسْماعِيلَ وَإسْحاقَ" صلى اللّه عليهم أجمعين وسلم. (48)
قلتُ: قال العلماء: الهامَّة بتشديد الميم: وهي كلّ ذات سمّ يقتل كالحيّة وغيرها، والجمع الهوامّ، قالوا: وقد يقع الهوامّ على ما يدبّ من الحيوان وإن لم يقتل كالحشرات. ومنه حديث كعب بن عجرة رضي اللّه عنه "أيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رأسِكَ؟" أي القمل. وأما العين اللامّة بتشديد الميم: وهي التي تُصيب ما نظرت إليه بسوء.
بابُ ما يُقالُ على الخُرَّاجِ والبَثَرَةِ ونحوهما
في الباب حديث عائشة الآتي (49) قريباً في باب ما يقوله المريض ويُقرأ عليه.
1/343 روينا في كتاب ابن السني، عن بعض أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قالت: دخل عليَّ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد خرجَ في أصبعي بثرة، فقال: "عِنْدَكِ ذَرِيرَةٌ؟" فوضعها عليها وقال: "قُولي اللَّهُم مُصَغِّرَ الكَبِيرِ وَمُكَبِّرَ الصَّغِيرِ صَغِّرْ ما بِي. فطفئت".(50)
قلتُ: البثرة بفتح الباء الموحدة وإسكان الثاء المثلثة، وبفتحها أيضاً لغتان: وهو خُرَّاجٌ صِغار، ويقال بَثِر وجهه وبثر بكسر الثاء وفتحها وضمّها ثلاث لغات. وأما الذَّريرة: فهي فتات قَصَبٍ من قصبِ الطيب يُجاء به من الهند.
-------------------
اقرأ بعده
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق