السُّنّة أن يُسمَّى المولود في اليوم السابعِ من ولادته أو يوم الولادة.
أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم أمرَ بتسمية المولود يومَ سابعهِ، ووضعِ الأذى عنه، والعقّ. قال الترمذي: حديث حسن. (1)
2/721 وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهما، بالأسانيد الصحيحة، عن سمرة بن جُندب رضي اللّه عنه؛
أن رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "كُلُّ غُلامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ
تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سابِعِهِ، ويُحْلَقُ، وَيُسَمَّى" قال الترمذي: حديثٌ حسن صحيح. وأما يوم الولادة فلِما رويناه في الباب المتقدم من حديث أبي موسى. (2)
3/722 وروينا في صحيح مسلم وغيره، عن
أنس رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:
"وُلِدَ لي اللَّيْلَةَ غُلامٌ فَسَمَّيْتُهُ باسْمِ أبي: إبْرَاهِيم
صلى اللّه عليه وسلم".(3)
4/723 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس قال: وُلد لأبي طلحةَ غلامٌ، فأتيتُ به النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فحنَّكَه، وسمَّاه عبد اللّه. (4)
5/724 وروينا في صحيحيهما، عن
سهل بن سعد الساعدي رضي اللّه عنه قال: أُتي بالمنذر بن أبي أُسَيْد إلى
رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين وُلد، فوضعه النبيُّ صلى اللّه عليه
وسلم على فخذه وأبو أُسيد جالسٌ، فلَهِيَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم بشيء
بين يديه، فأمر أبو أُسيد بابنه فاحْتُمِل من على فخذ النبيّ صلى اللّه
عليه وسلم، فأقلبُوه، فاستفاقَ النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم فقال:
"أيْنَ الصَّبِيُّ؟" فقال أبو أُسيد: أقلبناه يا رسول اللّه.
قال: "ما اسْمُهُ؟" قال: فلان، "قال: لا، وَلَكِنِ اسْمُهُ
المُنْذِرُ" فسمّاه يومئذ المنذر. (5)
قلت: قوله لهِي، بكسر الهاء وفتحها لغتان: الفتح
لطيء، والكسر لباقي العرب، وهو الفصيح المشهور، ومعناه: انصرف عنه، وقيل
اشتغل بغيره، وقيل نسيه، وقوله استفاق: أي ذكره، وقوله فأقلبوه: أي
رَدّوه إلى منزلهم.
بابُ تَسْمِيةِ السَّقْط (6)
يُستحبّ تسميتُه، فإن لم يُعلم أذكرٌ هو أو أنثى،
سُمِّي باسم يَصلحُ للذكر والأُنثى كأسماء وهند وهُنيدة وخارجة وطلحة
وعُميرة وزُرْعة ونحو ذلك. قال الإِمام البغوي: يُستحبّ تسميةُ السقط
لحديث ورد فيه (7) ، وكذا قاله غيره من أصحابه. قال أصحابنا: ولو مات المولود قبل تسميته استُحبّ تسميتُه.
1/725 روينا في سنن أبي داود، بالإِسناد الجيد، عن
أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:
"إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيامَةِ بأسْمائكُمْ وأسماءِ آبائِكُمْ
فأحْسِنُوا أسْماءَكُمْ". (8)
1/726 روينا في صحيح مسلم، عن
ابن عمر رضي اللّه عنهما، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:
"إنَّ أحَبَّ أسْمائكُمْ إلى اللّه عَزَّ وَجَلَّ عَبْدُ اللّه، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ".(9)
2/727 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن
جابر رضي اللّه عنه قال: وُلد لرجلٍ منّا غلامٌ فسمَّاه القاسم،
فقلنا: لا نُكَنِّيك أبا القاسم ولا كرامة، فأخبرَ النبيَّ صلى اللّه
عليه وسلم، فقال: "سَمّ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ".(10)
قال رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "تَسَمَّوا بأسْماءِ الأنْبِياءِ، وَأحَبُّ
الأسْماءِ إلى اللّه تَعالى عَبْدُ اللّه وَعَبْدُ الرَّحْمَن،
وأصْدَقُها: حَارِثٌ وَهمَّامٌ، وأقْبَحُها: حَرْبٌ وَمُرَّةُ".(11)
يُستحبّ تهنئة المولود له، قال أصحابنا: ويُستحبّ
أن يُهَنَّأ بما جاءَ عن الحسين رضي اللّه عنه أنه علَّم إنساناً التهنئة
فقال: قل: باركَ اللّه لكَ في الموهوب لك، وشكرتَ الواهبَ، وبلغَ
أشدَّه ورُزقت برّه. ويُسْتَحَبُّ أن يردّ على المُهنىء فيقول: باركَ
اللّه لك، وبارَك عليك، وجزاكَ اللّه خيراً، ورزقك اللّه مثلَه، أو أجزلَ
اللّه ثوابَك، ونحو هذا.
1/729 روينا في صحيح مسلم، عن
سمرة بن جندب رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:
"لا تُسَمِّيَنَّ غُلامَكَ يَسَاراً، وَلا رَباحاً، وَلا نَجاحاً، وَلا
أفْلَحَ، فإنَّكَ تَقُولُ أثَمَّ هُوَ؟ فَلا يَكُونُ، فَتَقُولُ: لا.
إنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ فَلا تَزِيدونَ عَليَّ".(12)
2/730 وروينا في سنن أبي داود وغيره، من رواية جابر، وفيه أيضاً النهي عن تسميته بركة. (13)
3/731 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن
أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "إنَّ
أخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأمْلاكِ"
وفي رواية "أخنى" بدل "أخنع". وفي رواية لمسلم "أغْيَظُ رَجُلٍ
عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيامَةِ وأخْبَثُهُ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى
مَلِكَ الأمْلاكِ، لا مَلِكَ إِلاَّ اللَّهُ" قال العلماء: معنى أخنع وأخنى: أوضع وأذلّ وأرذل. وجاء في الصحيح عن سفيان بن عيينة قال: ملك الأملاك مثل شاهان شاه. (14)
باب ذكر الإِنسان من يتبعُه من ولد أو غلام أو متعلمٍ أو نحوهم باسمٍ قبيحٍ ليؤدّبَه ويزجرَه عن القبيح ويروّضَ نفسَه
1/732 روينا في كتاب ابن السني، عن عبد اللّه بن بُسْرٍ المازني الصحابي رضي اللّه عنه، وهو بضمّ الباء الموحدة وإسكان السين المهملة.
قال:
بعثتني أُمي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بِقِطْفٍ مِن عِنَب،
فأكلتُ منه قبل أن أُبلغَه إياه، فلما جئتُ به أَخَذَ بأُذني وقال: "يا
غُدَرُ".(15)
2/733 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنهما في حديثه الطويل المشتمل على كرامة ظاهرة للصديق رضي اللّه عنه، ومعناه:
أن الصديق
رضي اللّه عنه ضيَّفَ جماعةً وأجلسَهم في منزله وانصرفَ إلى رسول اللّه
صلى اللّه عليه وسلم فتأخَّرَ رجوعُه، فقال عند رجوعه: أعشّيتمُوهم؟
قالُوا: لا، فأقبل على ابنه عبد الرحمن فقال: يا غُنْثَرُ فَجَدَّعَ
وَسَبَّ. (16)
قلتُ: قوله: غنثر، بغين معجمة مضمومة، ثم نون
ساكنة ثم تاء مثلثة مفتوحة ومضمومة ثم راء، ومعناه: يا لئيم، وقوله:
فجدّعَ، وهو بالجيم والدال المهملة، ومعناه: دعا عليه بقطع الأنف ونحوه،
واللّه أعلم.
ينبغي أن يُنادى بعبارةٍ لا يتأذّى بها، ولا يكون فيها كذبٌ ولا مَلَقٌ (17)
كقولك: يا أخي، يا فقيه، يا فقير، يا سيدي، يا هذا، يا صاحبَ الثوب
الفلاني أو النعل الفلاني أو الفرس أو الجمل أو السيف أو الرمح، وما أشبه
هذا على حسب حال المُنَادى والمُنَادِي.
1/734 وقد روينا في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، بإسناد حسن، عن
بَشير بن معبد المعروف بابن الخَصَاصِيَة رضي اللّه عنه قال: بينما أنا
أُماشي النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم نظرَ فإذا رجلٌ يمشي بين القبور عليه
نعلان فقال: "يا صَاحبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ! وَيْحَكَ أَلْقِ
سِبْتِيَّتَيْكَ" وذكر تمام الحديث. (18)قلتُ: النعالُ السِّبتِيةُ بكسر السين: التي لا شعرَ عليها.
كنتُ عندَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم وكان إذا لم يحفظ اسم الرجل قال: "يا بنَ عبد اللّه!". (19)
1/736 روينا في كتاب ابن السني، عن
أبي هريرة رضي اللّه عنه: "أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم رأى رجلاً
معه غلام، فقال للغلام: مَنْ هَذَا؟ قال: أبي، قال: فَلا تَمْشِ
أمامَهُ، ولا تَسْتَسِبَّ لَهُ، وَلا تَجْلِسْ قَبْلَهُ، وَلا تَدْعُهُ
باسْمِهِ".(20)
قلت: معنى لا تَسْتَسِبَّ له: أي لا تفعل فعلاً يتعرّض فيه لأن يسبّك أبوك زجراً لك وتأديباً على فعلك القبيح.
2/737 وروينا فيه، عن
السيد الجليل العبد الصالح المتفق على صلاحه عبيد اللّه بن زَحْر، بفتح
الزاي وإسكان الحاء المهملة رضي اللّه عنه قال: يُقال من العقوق أن
تُسَمِّي أباك باسمه، وأن تمشيَ أمامَه في طريق. (21)
فيه حديثُ سهلِ به سعدٍ الساعدي المذكور في باب تسمية المولود في قصة المنذر بن أبي أُسَيْد.
1/738 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛ أن زينبَ كان اسمُها برّةَ، فقيل: تزكَي نفسها، فسمَّاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زينب.
2/739 وفي صحيح مسلم، عن
زينبَ بنت أبي سلمة رضي اللّه عنها قالت: فقال رسول اللّه صلى اللّه
عليه وسلم: "سموها زينب" قالت: ودخلت عليه زينب بنت جحش واسمها
برة، فسمّاها زينبَ. (البخاري (6192) ، ومسلم (2141) .
3/740 وفي صحيح مسلم أيضاً، عن
ابن عباس قال: كانت جويريةُ اسمها برّة، فَحَوَّلَ رسولُ اللّه صلى
اللّه عليه وسلم اسمَها جويرية، وكان يكرهُ أن يُقال خَرَج من عند برّة. (23)
4/741 وروينا في صحيح البخاري، عن
سعيد بن المسيب بن حَزْن عن أبيه، أن أباه جاء إلى النبي صلى اللّه عليه
وسلم فقال: "ما اسْمُكَ؟" قال: حَزْن، فقال: "أنْتَ
سَهْلٌ" قال: لا أُغيّر اسماً سمّانيه أبي، قال ابنُ المسيب: فما
زالت الحزونة فينا بعد(24)(البخاري (6190) "(البخاري (6190).
قلتُ: الحزونة: غلظ الوجه وشيء من القساوة.
5/742 وروينا في صحيح مسلم، عن
ابن عمر رضي اللّه عنهما؛ أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم غيَّرَ اسم عاصية
وقال: "أنت جميلة" وفي رواية لمسلم أيضاً: أن ابنةً لعمرَ كان
يُقال لها عاصية، فسمَّاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جميلة. (25)(مسلم
(2139) (14) و (15) ، وهو في سنن أبي داود (4952) "(مسلم
(2139) (14) و (15) ، وهو في سنن أبي داود (4952)
6/743 وروينا في سنن أبي داود، بإسناد حسن، عن
أُسامة بن أَخْدَريٍّ الصحابي رضي اللّه عنه ـ وأخدري بفتح الهمزة والدال
المهملة وإسكان الخاء المعجمة بينهما ـ أن رجلاً يُقَال له أصرم كان في
النفَر الذين أتوْا رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالَ رسولُ اللّه
صلى اللّه عليه وسلم: "ما اسْمُكَ؟" قال: أَصْرَم، قال:
"بَلْ أنْتَ زُرْعَةُ".(26)
7/744 وروينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما، عن
أبي شُرَيْح هانىء الحارثي الصحابي رضي اللّه عنه؛ أنه لما وَفَدَ إلى
رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مع قومه سمعهم يُكنّونه بأبي الحكم، فدعاه
رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: "إنَّ اللَّهَ هُوَ الحَكَمُ
وَإِلَيْهِ الحُكْمُ فَلِمَ تُكَنَّى أبا الحَكَمِ؟" فقال: إن قومي
إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمتُ بينَهم، فرضي كِلا الفريقين، فقال رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم:" مَا أحْسَنَ هَذَا، فَمَا لَكَ منَ
الوَلَدِ؟" قال: لي شُريح، ومُسلم، وعبدُ اللّه، قال: "فَمَنْ
أَكْبَرُهُمْ؟" قلت: شريحُ، قال: "فأنْتَ أبُو شُرَيْحٍ".
قال أبو داود (27): وغيّر النبيّ صلى اللّه عليه وسلم اسمَ العاصي، وعزيز، وعَتْلَة (28) ، وشيطان، والحكم، وغراب، وحباب، وشهاب، فسمّاه هاشماً، وسمّى حَرْباً سِلْماً، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضاً يُقال لها عَقِرَة (29)
سمّاها خضرة، وشِعْبَ الضلالة سمّاه شِعْبَ الهُدى، وبنو الزِّينة سمَّاهم
بني الرِّشْدَة، وسمَّى بني مُغوية بني رِشْدَة. قال أبو داود: تركتُ
أسانيدها للاختصار. قلتُ: عَتْلة بفتح العين المهملة وسكون التاء
المثناة فوق، قاله ابن ماكولا، قال: وقال عبد الغني: عَتَلة: يعني
بفتح التاء أيضاً، قال: وسمَّاه النبيّ صلى اللّه عليه وسلم عُتْبة، وهو
عتبة بن عبد السلمي. (30)
1/745 روينا في الصحيح، من طرق كثيرة؛ أن
رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم رخَّمَ أسماء جماعة من الصحابة، فمن ذلك
قوله صلى اللّه عليه وسلم لأبي هريرة رضي اللّه عنه" :يا أبا
هِرّ".
وقوله صلى اللّه عليه وسلم لعائشةَ رضي اللّه عنها: "يا عَائِشُ" (31)
وفي كتاب ابن السني (32) أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال لأُسامة "يا أُسَيْمُ" وللمقدتم "يا قُدَيْمُ". (33)
قال اللّه تعالى: {وَلا تَنَابَزُوا بالألْقابِ}
[الحجرات: 11] واتفق العلماء على تحريم تلقيب الإِنسان بما يكره،
سواء كان له صفة؛ كالأعمش، والأجلح، والأعمى، والأعرج، والأحول، والأبرص،
والأشج، والأصفر، والأحدب، والأصمّ، والأزرق، والأفطس، والأشتر، والأثرم،
والأقطع، والزمن، والمقعد، والأشلّ، أو كان صفة لأبيه أو لأمه أو غير ذلك
مما يَكره. واتفقوا على جواز ذكره بذلك على جهة التعريف لمن لا يعرفه إلا
بذلك. ودلائل ما ذكرته كثرة مشهورة حذفتها اختصاراً واستغناءً
بشهرتها.
فمن ذلك أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه، اسمه عبد
اللّه بن عثمان، لقبه عتيق، هذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء من
المحدِّثين وأهل السِيَر والتواريخ وغيرهم. وقيل اسمه عتيق، حكاه الحافظ
أبو القاسم بن عساكر في كتابه الأطراف، والصواب الأول، واتفق العلماء على
أنه لقبُ خير. واختلفوا في سبب تسميته عتيقاً، فروينا عن عائشة رضي اللّه
عنها من أوجه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "أبُو بَكْرٍ عَتِيقُ اللَّهِ منَ النَّارِ" (34)
قال: فمن يومئذ سُمِّيَ عتيقاً. وقال مصعب بن الزبير وغيره من أهل
النسب: سُمِّي عتيقاً لأنه لم يكن في نسبه شيء يُعاب به، وقيل غير ذلك،
واللّه أعلم.
أن رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم وجده نائماً في المسجد وعليه التراب، فقال:
"قُمْ أبا تُرَابٍ! قُمْ أَبَا تُرابٍ!" فلزمه هذا اللقب الحسن
الجميل. (35)
2/747 وروينا هذا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سهل بن سعد، قال سهل: وكانت أحبّ أسماء عليّ إليه، وإن كان ليفرح أن يُدعى بها. هذا لفظ رواية البخاري. (36)
3/748 ومن ذلك ذو اليدين واسمه الخِرْباق ـ بكسر الخاء المعجمة وبالباء الموحدة وآخره قاف ـ كان في يديه طول، ثبت في الصحيح؛
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يدعوه "ذا اليدين" واسمه الخِرْباق، رواه البخاري بهذا اللفظ في أوائل كتاب البرّ والصلة. البخاري (37)
هذا الباب أشهر من أن نذكر فيه شيئاً منقولاً، فإن
دلائله يشترك فيها الخواصّ والعوامّ، والأدب أن يُخاطب أهل الفضل ومن
قاربهم بالكنية، وكذلك إنْ كتبَ إليه رسالة، وكذا إن رَوى عنه روايةً،
فيُقال: حدّثنا الشيخ أو الإِمام أبو فلان، فلان بن فلان وما أشبهه؛
والأدبُ أن لا يذكرَ الرجلُ كنيتَه في كتابه ولا في غيره، إلا أن لا يُعرف
إلا بكنيته، أو كانت الكنية أشهرَ من اسمه. قال النحاس: إذا كانت
الكنية أشهر، يُكنى على نظيره ويُسمَّى لمن فوقه، ثم يلحق بـ: المعروف
أبا فلان أو بأبي فلان.
كُنِّي نبيّنا محمّدٌ صلى اللّه عليه وسلم أبا القاسم بابنه القاسم، وكان أكبرَ بنيه. وفي الباب حديث أبي شريح (38) الذي قدَّمناه في باب استحباب تغيير الاسم إلى أحسن منه.
هذا الباب واسعٌ لايُحصى مَن يتّصفُ به، ولا بأس بذلك بابُ كُنيةِ مَنْ لم يُولَد له، وكُنية الصغيرِ
1/749 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن
أنس رضي اللّه عنه قال: كان النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم أحسنَ الناس
خلقاً، وكان لي أخ يُقال له أبو عمير ـ قال الراوي: أحسبه قال فَطِيمٌ ـ
وكان النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم إذا جاءَه يقول: "يا أبا عُمَيْرٍ!
ما فَعَلَ النُغَيْرُ" نُغَرٌ كانَ يلعبُ به. البخاري (39)
2/750 وروينا بالأسانيد الصحيحية في سنن أبي داود وغيره، عن
عائشة رضي اللّه عنها، قالت: يا رسول اللّه! كلُّ صواحبي لهنّ كُنى،
قال: "فاكْتَنِي بابْنِكَ عَبْدِ اللّه" قال الراوي: يعني عبد
اللّه بن الزبير، وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر، وكانت عائشةُ تُكَنَّى
أُمّ عبد اللّه. قلت: فهذا هو الصحيح المعروف. (40)
3/751 وأما ما رويناه في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: أسقطتُ من النبيّ صلى اللّه عليه وسلم سَقْطاً فسمّاه عبد اللّه، وكنّاني بأُمّ عبد اللّه. فهو حديث ضعيف. (41)
وقد كان من الصحابة جماعات لهم كنى قبل أن يُولد لهم،
كأبي هريرة، وأنس، وأبي حمزة، وخلائق لا يُحصون من الصحابة والتابعين فمن
بعدهم، ولا كراهةَ في ذلك بل هو محبوبٌ بالشرط السابق.
أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "سَمُّوا باسْمي وَلا تُكَنٌّوا بِكُنْيَتِي" (42)قلت:
اختلف العلماء في التكنّي بأبي القاسم على ثلاثة مذاهب: فذهب الشافعي
رحمه اللّه ومَنْ وافقه إلى أنه لا يَحِلُّ لأحد أن يَتَكَنَّى أبا القاسم،
سواء كان اسمه محمداً أو غيره، وممّن روى هذا من أصحابنا عن الشافعي
الأئمةُ الحفّاظُ الثقات الأثبات الفقهاء المحدّثون: أبو بكر البيهقي،
وأبو محمد البغوي في كتابه "التهذيب" في أول كتاب الكاح، وأبو القاسم
بن عساكر في تاريخ دمشق.
والمذهب الثاني: مذهب مالك رحمه اللّه أنه يجوز
التكنّي بأبي القاسم لمن اسمه محمد ولغيره، ويجعل النهي خاصاً بحياة رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
والمذهب الثالث: لا يجوز لمن اسمه محمد ويجوز
لغيره. قال الإِمام أبو القاسم الرافعي من أصحابنا: يُشبه أن يكون هذا
الثالث أصحّ، لأن الناس لم يزالوا يكتنون به في جميع الأعصار من غير إنكار،
وهذا الذي قاله صاحب هذا المذهب فيه مخالفة ظاهرة للحديث.
وأما إطباق الناس على فعله مع أن في المتكنين به
والمكنّين الأئمة الأعلام، وأهل الحلّ والعقد والذين يُقتدى بهم في مهمات
الدين ففيه تقوية لمذهب مالك في جوازه مطلقاً، ويكونون قد فهموا من النهي
الاختصاص بحياته صلى اللّه عليه وسلم كما هو مشهور من سبب النهي في تكنّي
اليهود بأبي القاسم ومناداتهم يا أبا القاسم للإِيذاء، وهذا المعنى قد زال،
واللّه أعلم.
قال اللّه تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أبي لَهَبٍ} واسمه عبد العزّى، قيل: ذكر بكنيته لأنه يُعرف بها، وقيل: كراهةً لاسمه حيثُ جُعل عبداً للصنم.
1/753 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن
أُسَامةَ بن زيد رضي اللّه عنهما؛ أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم
ركبَ على حمار ليعودَ سعدَ بن عبادة رضي اللّه عنه.. فذكر الحديث ومرور
النبيّ صلى اللّه عليه وسلم على عبد اللّه بن أَبيّ سلول المنافق، ثم
قال: فسارَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم حتى دخلَ على سعد بن عبادة، فقال
النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: "أيْ سَعْدُ! ألَمْ تَسْمَعْ إلى ما
قالَ أبُو حُبابٍ ـ يُريد عبد اللّه بن أُبيّ ـ قالَ: كَذَا وكَذَا" وذكر الحديث. (43)
قلت: تكرَّر في الحديث تكنيةُ أبي طالبٍ واسمُه عبدُ مناف، وفي الصحيح "هَذَا قَبْرُ أبي رِغالٍ" (44) ونظائر هذا كثيرة، هذا كله إذاً وجد الشرط الذي ذكرناه في الترجمة، فإن لم يُوجد، لم يزد على الاسم؛ كما رويناه في صحيحيهما (45) ؛ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كتب: "مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلى هِرَقْلَ"
فسمَّاه باسمه ولم يكنِّه ولا لقبه بلقب ملك الروم وهو قيصر، ونظائرُ هذا
كثيرة، وقد أمرنا بالإِغلاظ عليهم، فلا ينبغي أن نُكنيَهم ولا نرققَ لهم
عبارة ولا نلين لهم قولاً ولا نظهر لهم ودّاً ولا مؤالفة.
اعلم أن هذا كلَّه لا حَجْرَ فيه، وقد تكنَّى جماعاتٌ
من أفاضل سلف الأمة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم بأبي فلانة، فمنهم
عثمان بن عفان رضي اللّه عنه له ثلاث كنى: أبو عمرو، وأبو عبد اللّه،
وأبو ليلى، ومنهم أبو الدرداء وزوجته أُمّ الدرداء الكبرى صحابية اسمها
خيرة، وزوجته الأخرى أُمّ الدرداء الصغرى اسمها هُجَيْمة، وكانت جليلة
القدر فقيهة فاضلة موصوفة بالعقل الوافر والفضل الباهر وهي تابعية. ومنهم
أبو ليلى والد عبد الرحمن بن أبي ليلى، وزوجته أُمّ ليلى، وأبو ليلى
وزوجته صحابيان. ومنهم أبو أُمامة وجماعات من الصحابة. ومنهم أبو
رَيْحانة، وأبو رَمْثة، وأبو رِيْمة، وأبو عَمْرة بشير بن عمرو، وأبو فاطمة
الليثي، قيل اسمه عبد اللّه بن أنيس، وأبو مريم الأزدي، وأبو رُقَيَّة
تميم الداري، وأبو كريمة المقدام بن معد يكرب، وهؤلاء كلُّهم صحابة.
ومن التابعين: أبو عائشة مسروقُ الأجدع وخلائق لا يُحصون.
قال السمعاني في "الأنساب": سُمِّي مسروقاً،
لأنه سرقه إنسانٌ وهو صغير ثم وُجد. وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة تكنية
النبيّ صلى اللّه عليه وسلم أبا هريرة بأبي هريرة.
إقرأ بعده.........
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق