الثلاثاء، 16 سبتمبر 2014

ما يَقولُ عندَ دُخول الحمَّام.الإِعراض عن الجاهلين.وَعظِ الإِنسانِ مَنْ هُو أجلّ منه. الأمر بالوفاءِ بالعهدِ والوَعْدِ.استحباب دُعاء الإِنسان لمن عَرَضَ عليه مالَه أو غيرَه.ما يقولُه المسلمُ للذميّ إذا فعلَ به مَعْرُوفاً.ما يقولُه إذا رَأى مِن نفسِه أو ولده أو مالِه أو غير ذلكَ شيئاً فأعجبَهُ وخاف أن يصيبه بعينه وأنْ يتضرّرَ بذلك.ما يقول إذا رأى ما يُحِبّ وما يَكره.ما يقولُ إذا نظَرَ إلى السَّماء.ما يَقول إذا تطيَّرَ بشيء.ما يَقولُ إذا اشترى غُلاماً أو جَاريةً أو دابّةً، وما يقولُه إذا قَضى دَيْناً. ما يقولُ مَن لا يَثبتُ على الخَيْلِ ويُدعى لهُ به.نهيِ العالم وغيرِه أن يُحدِّثَ الناسَ بما لا يَفهمونه، أو يُخافُ عليهم من تحريف معناه وحملِهِ على خلاف المراد منه.استنصات العالم والواعظِ حاضري مجلسِه ليتوَفَّروا على استماعِه.الحَثّ على المُشَاورة.الحَثِّ على طِيْبِ الكَلاَم. استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب.المزاح.الشَّفاعَة. استحباب التَّبْشيرِ والتَّهنئةِ.جَواز التعجّب بلفظ التَّسبيحِ والتَّهليلِ ونحوهما.الأمرِ بالمعروف والنَّهي عن المنكرِ.

 بابُ الإِعراض عن الجاهلين
قال اللَّه سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بالعُرْفِ وَأعْرضْ عَنِ الجاهلينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏199‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ وقالُوا لَنا أعْمالُنا وَلَكُمْ أعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الجاهِلِين‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏55‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فأعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلى عَنْ ذِكْرِنا‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏9‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏85‏]‏
1/823 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‏:‏ لما كان يومُ حُنين آثرَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ناساً من أشرافِ العربِ في القسمة، فقال رجلٌ‏:‏ واللّه إن هذه قسمةٌ ما عُدلَ فيها، وما أُريدَ فيها وجهُ اللّه، فقلت‏:‏ واللّه لأخبرنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأتيتُه فأخبرتُه بما قال، فتغيَّرَ وجهُه حتى كان كالصِرْف، ثم قال‏:‏ فَمَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، ثم قال‏:‏ يَرْحَمُ اللّه مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ‏"‏ قلت‏:‏ الصرف بكسر الصاد المهملة وإسكان الراء، وهو صبغ أحمر‏.‏ (1)
2/824 وروينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‏:‏ قَدِمَ عُيينة بنُ حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس، وكانَ من النفرِ الذين يُدنيهم عمرُ رضي اللّه عنه، وكان القرّاءُ أصحابُ مجلسِ عمرَ رضي اللّه عنه ومشاورته كُهُولاً كانوا أو شبّاناً، فقال عيينة لابن أخيه‏:‏ يا بن أخي، لك وجهٌ عندَ هذا الأمير فاستأذنْ لي عليه، فاستأذنَ فأذنَ له عمر، فلما دخلَ قال‏:‏ هِيْ يا بن الخطاب، فو اللّه ما تُعطينا الجزل ولا تحكمُ فينا بالعدل، فغضبَ عمرُ رضي اللّه عنه حتى همّ أن يُوقع به، فقال له الحرّ‏:‏ يا أميرَ المؤمنين‏!‏ إن اللّه تعالى قال لنبيّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏‏{‏خُذِ العَفْوَ وأمُرْ بالعُرْفِ وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏199‏]‏ وإن هذا من الجاهلين، واللّه ما جاوزَها عمرُ حين تلاها عليه، وكان وقَّافاً عند كتاب اللّه تعالى‏.‏ (2) ‏.‏ و‏"‏هِي‏"‏‏:‏ بكسر الهاء وسكون الياء، كلمة تهديد، وقيل‏:‏ هي ضمير وثمَّ محذوف أي‏:‏ هي داهية‏.‏ وفي نسخة هيه بهاء السكت في آخره، وفي أخرى إيه، وهما بمعنى‏:‏ زدني‏.‏‏)‏
 بابُ وَعظِ الإِنسانِ مَنْ هُو أجلّ منه
فيه حديثُ ابن عباس في قصة عمر رضي اللّه عنه في الباب قبلَه‏.‏
اعلم أن هذا البابَ مما تتأكدُ العنايةُ به، فيجبُ على الإِنسان النصيحةُ والوعظُ والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر لكل صغير وكبير إذا لم يغلبْ على ظنه ترتُّبُ مفسدةٍ على وعظه، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، وَجادِلْهُمْ بالَّتِي هِيَ أحْسَنُ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏125‏]‏ وأما الأحاديثُ بنحو ما ذكرنا فأكثرُ من أن تُحصر‏.‏
وأما ما يفعله كثيرٌ من الناس من إهمال ذلك في حقّ كبار المراتب وتوهمهم أنَّ ذلك حياء، فخطأٌ صريحٌ وجهلٌ قبيحٌ، فإن ذلك ليس بحياء، وإنما هو خَوَرٌ ومهانةٌ وضعفٌ وعجزٌ، فإن الحياءَ خيرٌ كلُّه، والحياءُ لا يأتي إلا بخير، وهذا يأتي بشرٌ، فليس بحياء، وإنما الحياءُ عند العلماء الربانيين والأئمة المحققين‏:‏ خُلُق يبعثُ على ترك القبيح، ويمنعُ من التقصير في حقّ ذي الحقّ، وهذا معنى ما رويناه عن الجُنيد رضي اللّه عنه في رسالة القشيري قال‏:‏ الحياءُ رؤيةُ الآلاء، ورؤيةُ التقصير، فيتولد بينهما حالة تُسمَّى حياء‏.‏ وقد أوضحتُ هذا مبسوطاً في أوّل شرح صحيح مسلم، وللّه الحمد، واللّه أعلم‏.‏
 بابُ الأمر بالوفاءِ بالعهدِ والوَعْدِ
قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَأوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عاهَدْتُم‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏91‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيُّها الَّذينَ أمَنُوا أوْفُوا بالعُقُودِ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏1‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وأوْفُوا بالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كانَ مَسْؤُولاً‏}‏‏[‏الإسراء‏:‏34‏]‏‏.‏ والآيات في ذلك كثيرة، ومن أشدّها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيُّها الَّذينَ أمَنوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ‏}‏ ‏[‏الصف‏:‏3‏]‏
1/825 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرةَ رضي اللّه عنه؛ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ‏:‏ إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خانَ‏"‏ زاد في رواية ‏"‏وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أنَّهُ مُسْلِمٌ‏"‏ والأحاديث بهذا المعنى كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية‏.‏ (3)
وقد أجمعَ العلماءُ على أن مَن وعد إنساناً شيئاً ليس بمنهيّ عنه فينبغي أن يفي بوعده، وهل ذلك واجبٌ أو مستحبّ‏؟‏ فيه خلاف بينهم؛ ذهب الشافعيُّ وأبو حنيفة والجمهورُ إلى أنه مستحبّ، فلو تركه فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة تنزيه شديدة، ولكن لا يأثم؛ وذهبَ جماعةٌ إلى أنه واجب، قال الإِمامُ أبو بكر بن العربي المالكي‏:‏ أجلُّ مَن ذهبَ إلى هذا المذهب عمرُ بن عبد العزيز، قال‏:‏ وذهبتِ المالكية مذهباً ثالثاً أنه إن ارتبط الوعدُ بسبب كقوله‏:‏ تزوّج ولك كذا، أو احلف أنك لا تشتمني ولك كذا، أو نحو ذلك، وجب الوفاء، وإن كان وعداً مُطلقاً لم يجب‏.‏ واستدلّ مَن لم يوجبه بأنه في معنى الهبة، والهبة لا تلزم إلا بالقبض عند الجمهور، وعند المالكية‏:‏ تلزم قبل القبض‏.‏
 بابُ استحباب دُعاء الإِنسان لمن عَرَضَ عليه مالَه أو غيرَه
1/826 روينا في صحيح البخاري وغيره، عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏ لما قدموا المدينة نزل عبدُ الرحمن بن عوف على سعد بن الربيع فقال‏:‏ أُقاسمك مالي وأنزل لك عن إحدى امرأتيّ، قال‏:‏ بارك اللّه لك في أهلك ومالك‏.‏ (4)
 بابُ ما يقولُه المسلمُ للذميّ إذا فعلَ به مَعْرُوفاً
اعلم أنه لا يجوز أن يُدعى له بالمغفرة وما أشبهها مما لا يُقال للكفار، لكن يجوزُ أن يُدعى بالهداية وصحةِ البدن والعافية وشبهِ ذلك‏.‏
1/827 روينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏ استسقى النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم فسقاه يهوديٌّ، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏جَمَّلَكَ اللَّهُ‏"‏ فما رأى الشيب حتى ماتَ‏.(5)
 بابُ ما يقولُه إذا رَأى مِن نفسِه أو ولده أو مالِه أو غير ذلكَ شيئاً فأعجبَهُ وخاف أن يصيبه بعينه وأنْ يتضرّرَ بذلك
1/828 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏العَيْنُ حَقٌّ‏"‏‏.‏(6)
2/829 وروينا في صحيحيهما، عن أُمّ سلمة رضي اللّه عنها‏:‏ أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم رأى في بيتها جاريةً في وجهها سفعة فقال‏:‏ ‏"‏اسْتَرْقُوا لَهَا، فإنَّ بِهَا النَّظْرَةَ‏"‏‏.‏(7)
قلتُ‏:‏ السَّفعة بفتح السين المهملة وإسكان الفاء‏:‏ هي تغيّر وصفرة‏.‏ وأما النظرة فهي العين، يُقال صبيّ منظور‏:‏ أي أصابته العين‏.‏
3/830 وروينا في صحيح مسلم، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما؛ أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏العَيْنُ حَقٌ، وَلَوْ كانَ شَيْءٌ سابَقَ القَدَرَ سَبَقَتْهُ العَيْنُ، وَ إِذَا اسْتُغْسلْتم فاغْسِلُوا‏"‏‏.‏‏(8)
قلتُ‏:‏ قال العلماء‏:‏ الاستغسال أن يُقال للعائن، وهو الصائب بعينه الناظر بها بالاستحسان‏:‏ اغسلْ داخلَ إِزارك مما يلي الجلد بماء، ثم يُصبّ على العين، وهو المنظور إليه‏.‏
وثبت عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ كان يُؤمر العائن أن يَتوضأ ثم يغتسل منه المعين‏.‏ رواه أبو داود (9)‏ بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم‏.‏
4/831 وروينا في كتاب الترمذي والنسائي وابن ماجه، عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ كان رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتعوّذُ من الجانّ وعين الإِنسان حتى نزلت المعوّذتان، فلما نزلتا أخذَ بهما وتركَ ما سواهما‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (10)
5/832 وروينا في صحيح البخاري حديث ابن عباس؛ أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان يُعوِّذ الحسن والحسين‏:‏ ‏"‏أُعِيذُكُما بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلّ شَيْطانٍ وَهامَّةٍ وَمنْ كُلّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ، ويقول‏:‏ إن أباكما كانَ يعوّذ بهما إسماعيلَ وإسحاقَ‏"‏‏.‏(11)
6/833 وروينا في كتاب ابن السني، عن سعيد بن حكيم رضي اللّه عنه قال‏:‏ كان النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم إذا خافَ أن يُصيبَ شيئاً بعينه قال‏:‏ ‏"‏اللََّهُمَّ بارِكْ فِيهِ وَلا تَضُرّهُ‏"‏‏.‏‏(12)
7/834 وروينا فيه، عن أنس رضي اللّه عنه‏,‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ رأى شَيْئاً فَأعْجَبَهُ فَقالَ‏:‏ ما شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، لَمْ يَضُرَّهُ‏"‏‏.‏‏(13)
8/835 وروينا فيه، عن سهل بن حنيف رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا رأى أحَدُكُمْ ما يُعْجِبُهُ في نَفْسِهِ أوْ مَالِهِ فَلْيُبَرّكْ عَلَيْهِ، فإنَّ العَيْنَ حَقُّ‏"‏‏.‏(14)
9/836 وروينا فيه، عن عامر بن ربيعة رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِذَا رأى أحدُكم من نفسِه ومالِه وأعْجَبَهُ ما يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ بالبَرَكَةِ‏"‏‏.‏(15)
وذكر الإِمامُ أبو محمد القاضي حسين من أصحابنا رحمهم اللّه في كتابه التعليق في المذهب قال‏:‏ نظرَ بعضُ الأنبياء ـ صلواتُ اللّه وسلامُه عليهم أجمعين ـ إلى قومه يوماً فاستكثَرهم وأعجبُوه، فماتَ منهم في ساعة سبعون ألفاً، فأوحى اللّه سبحانه وتعالى إليه‏:‏ أنَّكَ عِنْتَهُمْ، وَلَوْ أنَّكَ إذْ عِنْتَهُمْ حَصَّنْتَهُمْ لَمْ يَهْلِكُوا، قال‏:‏ وَبأيّ شَيْءٍ أُحَصّنُهُمْ‏؟‏ فأوحى اللّه تعالى إليه‏:‏ تقولُ‏:‏ حَصَّنْتُكُمْ بالحَيِّ القَيُّومِ الَّذي لا يَمُوتُ أبَداً، وَدَفَعْتُ عَنْكُمُ السُّوءَ بِلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ العَلِيّ العَظيمِ‏.‏ قال المعلّق عن القاضي حسين‏:‏ وكان عادة القاضي رحمه اللّه إذا نظرَ إلى أصحابه فأعجبَه سَمْتُهم وحسنُ حالهم، حصَّنهم بهذا المذكور، واللّه أعلم‏.‏
 بابُ ما يقول إذا رأى ما يُحِبّ وما يَكره
1/837 روينا في كتاب ابن ماجه وابن السني، بإسناد جيد، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ كان رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا رأى ما يُحِبّ قال‏:‏ ‏"‏الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحاتُ‏"‏ وإذا رأى ما يكره قال‏:‏ ‏"‏الحَمْدُ لِلَّهِ على كلّ حالٍ‏"‏ قال الحاكم أبو عبد اللّه‏:‏ هذا حديث صحيح الإِسناد‏(16)
 بابُ ما يقولُ إذا نظَرَ إلى السَّماء
يُستحبّ أن يقول‏:‏ ‏{‏رَبَّنا ما خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذَابَ النَّار‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏191‏]‏ إلى آخر الآيات، لحديث ابن عباسٍ رضي اللّه عنهما المخرّج في صحيحيهما أنَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ذلك، وقد سبقَ بيانُه (17) ، واللّه أعلم‏.‏
 بابُ ما يَقول إذا تطيَّرَ بشيء
1/838 روينا في صحيح مسلم، عن معاوية بن الحكم السلميّ الصحابي رضي اللّه عنه قال‏:‏ قلت‏:‏ يارسول اللّه‏!‏ منَّا رجال يتطيرون، قال‏:‏ ‏"‏ذلكَ شَيْءٌ يَجِدُونَه في صُدُورِهِمْ، فَلا يَصُدَّنّهُمْ‏"‏‏.‏(18)
2/839 وروينا في كتاب ابن السني وغيره، عن عروة (19) بن عامر الجهنيّ رضي اللّه عنه قال سُئل النبيّ صلى اللّه عليه وسلم عن الطِّيَرة فقال‏:‏ ‏"‏أصْدَقُها الفأَلُ، وَلا يَرُدُّ مُسْلِماً، وَإِذَا رأيتُمْ مِنَ الطِّيَرَةِ شَيْئاً تَكْرَهُونَهُ فَقولُوا‏:‏ اللَّهُم لا يأتِي بالحَسَناتِ إِلاَّ أَنْتَ، وَلا يَذْهَبُ بالسَّيِّئاتِ إِلاَّ أنْتَ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ‏"‏‏.‏‏(20)
 بابُ ما يَقولُ عندَ دُخول الحمَّام
قيل‏:‏ يستحبّ أن يُسمِّيَ اللّه تعالى، وأنْ يسألَه الجنّةَ، ويستعيذَه من النار‏.‏
1/840 روينا في كتاب ابن السني، بإسناد ضعيف، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏نِعْمَ البَيْتُ الحَمَّامُ يَدْخُلُهُ المُسْلِمُ، إذَا دَخَلَهُ سألَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الجَنَّةَ وَاسْتَعاذَهُ مِنَ النَّارِ‏"‏‏.‏‏(21)
 بابُ ما يَقولُ إذا اشترى غُلاماً أو جَاريةً أو دابّةً، وما يقولُه إذا قَضى دَيْناً
يُستحبّ في الأوّل أن يأخذَ بناصيته ويقول‏:‏ اللَّهُمَّ إني أسألُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا جُبِلَ عَلَيْهِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ ما جُبِلَ عَلَيْهِ‏.‏
وقد سبق في كتاب أذكار النكاح الحديث الوارد في نحو ذلك في سنن أبي داود وغيره، ويقول في قضاء الدَّين ‏"‏بارَكَ اللَّهُ لَكَ في أهْلِكَ وَمالِكَ‏"‏ و‏"‏جَزَاكَ خَيْراً‏"‏ ‏(22)
 بابُ ما يقولُ مَن لا يَثبتُ على الخَيْلِ ويُدعى لهُ به
1/841 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن جرير بن عبد اللّه البجليّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ شكوتُ إلى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم أني لا أثبتُ على الخيل، فضربَ بيده في صدري وقال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هادِياً مَهْدِيّاً‏"‏‏.‏‏(23)
 بابُ نهيِ العالم وغيرِه أن يُحدِّثَ الناسَ بما لا يَفهمونه، أو يُخافُ عليهم من تحريف معناه وحملِهِ على خلاف المراد منه
1/842 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم؛ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لمعاذ رضي اللّه عنه حين طوَّل الصلاة بالجماعة‏:‏ ‏"‏أفتَّانٌ أنْتَ يا مُعاذُ‏؟‏‏!‏‏"‏‏.‏‏(24)
2/843 وروينا في صحيح البخاري، عن عليّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ حدّثوا الناسَ بما يَعرفون، أتحِبُّون أن يُكذَّب اللَّهُ ورسولُه صلى اللّه عليه وسلم‏؟‏‏(25)(‏ البخاري ‏(‏127‏)‏ ، والمراد بقوله ‏"‏يعرفون‏"‏ أي‏:‏ يفهمون‏.‏‏)‏
 بابُ استنصات العالم والواعظِ حاضري مجلسِه ليتوَفَّروا على استماعِه
1/844 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن جرير بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال لي النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في حجة الوداع‏:‏ ‏"‏اسْتَنْصِتِ الناسَ، ثم قال‏:‏ لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ‏"‏‏.‏‏(26)
 بابُ ما يقولُه الرجلُ المُقتدى به إذا فعل شيئاً في ظاهره مخالفةٌ للصوابِ مع أنه صَوَابٌ
اعلم أنه يُستحبُّ للعالم والمعلّم والقاضي والمفتي والشيخ المربّي وغيرهم ممّن يقتدى به ويؤخذ عنه‏:‏ أن يجتنب الأفعالَ والأقوالَ والتصرّفات التي ظاهرها خلاف الصواب وإن كان محقّاً فيها، لأنه إذا فعلَ ذلك ترتَّبَ عليه مفاسد من جملتها‏:‏ توهم كثير ممّن يعلم ذلك منه أن هذا جائز على ظاهره بكل حال، وأن يبقى ذلك شرعاً وأمراً معمولاً به أبداً، ومنها وقوع الناس فيه بالتنقص، واعتقادهم نقصه وإطلاق ألسنتهم بذلك؛ ومنها أن الناس يُسيئون الظنّ به فينفرون عنه، ويُنَفِّرون غيرهم عن أخذ العلم عنه وتَسقط رواياته وشهادته، ويبطلُ العمل بفتواه، ويذهبُ ركون النفوس إلى ما يقولُه من العلوم، وهذه مفاسد ظاهرة؛ فينبغي له اجتناب أفرادها، فكيف بمجموعها‏؟‏ فإن احتاج إلى شيء من ذلك وكان محقّاً في نفس الأمر لم يظهره، فإن أظهرَه أو ظهرَ أو رأى المصلحةَ في إظهاره ليعلم جوازه وحكمُ الشرع فيه، فينبغي أن يقولَ‏:‏ هذا الذي فعلتُه ليس بحرام، أو إنما فعلتُه لتعلموا أنه ليس بحرام إذا كان على هذا الوجه الذي فعلتُه، وهو كذا وكذا، ودليلُه كذا وكذا‏.‏
1/845 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سهل بن سعدٍ الساعديّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ رأيتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قامَ على المِنبر، فكبَّر على الأرض، ثم عادَ إلى المنبر حتى فرغَ من صلاتِه، ثم أقبلَ على الناس فقال‏:‏ ‏"‏أيُّها النَّاسُ‏!‏ إنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأتَمُّوا بِي وَلِتَعَلَّمُوا صَلاتي‏"‏ والأحاديثُ في هذا الباب كثيرةٌ كحديث ‏"‏إنَّهَا صَفِيَّةُ‏"‏ ‏(27)
وفي البخاري (28) ‏:‏ أن عليّاً شربَ قائماً وقال‏:‏ رأيتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فعلَ كما رأيتموني فعلتُ‏.‏ والأحاديثُ والآثارُ في هذا المعنى في الصحيح مشهورة‏.‏
 بابُ ما يقولُه التابعُ للمتبوعِ إذا فعلَ ذلك أو نحوه
اعلم أنه يُستحبّ للتابع إذا رأى من شيخه وغيره ممّن يُقتدى به شيئاً في ظاهره مخالفة للمعروف أن يسأله عنه بنيّة الاسترشاد، فإن كان قد فعلَه ناسياً تداركَه، وإن كان فعلَه عامِداً وهو صحيحٌ في نفس الأمر، بَيّنه له‏:‏
1/846 فقد روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أُسامة بن زيد رضي اللّه عنهما قال‏:‏ دفعَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم من عَرَفَةَ حتى إذا كان بالشِّعب نزلَ، فَبالَ ثم توضأ، فقلتُ‏:‏ الصلاةَ يا رسول اللّه‏؟‏‏!‏ فقال‏:‏ ‏"‏الصَّلاةُ أمامَكَ‏"‏‏.‏‏(29)
قلتُ‏:‏ إنما قال أُسامة ذلك، لأنه ظنّ أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم نسي صلاة المغرب، وكان قد دخل وقتها قربَ خروجه‏.‏
2/847 وروينا في صحيحيهما، قولَ سعد بن أبي وقاص‏:‏ يا رسولَ اللّه‏!‏ ما لك عن فلان‏؟‏ واللّه إني لأراه مؤمناً‏.‏ (30)
3/848 وفي صحيح مسلم، عن بريدة؛ أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم صلَّى الصلواتِ يومَ الفتح بوُضوء واحد، فقال عمر‏:‏ لقد صنعتَ اليومَ شيئاً لم تكنْ تصنعه، فقال‏:‏ ‏"‏عَمْداً صَنَعْتُهُ يا عُمَرُ‏!‏‏"‏ ونظائر هذا كثيرة في الصحيح مشهورة‏.‏ (31)
 بابُ الحَثّ على المُشَاورة
قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَشاوِرْهُمْ في الأمْرِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 159‏]‏ والأحاديثُ الصحيحةُ في ذلك كثيرةٌ مشهورة‏.‏
وتُغني هذه الآية الكريمة عن كلّ شيء، فإنه إذا أمرَ اللّه سبحانه وتعالى في كتابه نصّاً جليّاً، نبّه نبيّه صلى اللّه عليه وسلم بالمشاورة مع أنه أكمل الخلق، فما الظن بغيره‏؟‏‏.‏
واعلم أنه يُستحبّ لمن همّ بأمر أن يُشاور فيه مَن يَثقُ بدينه وخبرته وحذقه ونصيحته ووَرَعه وشفقته‏.‏ ويُستحبّ أن يُشاور جماعة بالصفة المذكورة ويستكثر منهم، ويعرّفهم مقصودَه من ذلك الأمر، ويُبيِّن لهم ما فيه من مصلحة ومفسدة إن علم شيئاً من ذلك، ويتأكّدُ الأمرُ بالمشاورة في حقّ ولاة الأمور العامة كالسلطان والقاضي ونحوهما، والأحاديث الصحيحة في مشاورة عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أصحابَه ورجوعِه إلى أقوالهم كثيرة مشهورة، ثم فائدة المشاورة القَول من المستشار إذا كان بالصفة المذكورة، ولم تظهر المفسدة فيما أشار به، وعلى المستشار بذل الوسع في النصيحة وإعمال الفكر في ذلك‏.‏
1/849 فقد روينا في صحيح مسلم، عن تميم الداريّ رضي اللّه عنه،عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏الدّينُ النَّصِيحَةُ، قالوا‏:‏ لمن يا رسول اللّه‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ لِلَّهِ وكِتابِهِ وَرَسُولِهِ وأئمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعامَّتِهِمْ‏"‏‏.‏(32)
2/850 وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏المُسْتَشارُ مُؤْتَمَنٌ‏"‏‏.(33)
 بابُ الحَثِّ على طِيْبِ الكَلاَم
قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏88‏]‏
1/851 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عديّ بن حاتم رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ‏"‏‏.‏‏(34)
2/852 وروينا في صحيحيهما، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ تَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْها أوْ تَرْفَعُ لَهُ عَليْها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، قال‏:‏ وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلّ خُطْوَةٍ تَمشِيها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُميطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ‏"‏‏.‏‏(35)
قلتُ‏:‏ السُّلاَمَى بضم السين وتخفيف اللام‏:‏ أحدُ مفاصل أعضاء الإِنسان، وجمعه‏:‏ سُلامَيَات بضم السين وفتح الميم وتخفيف الياء، وتقدم ضبطها في أوائل الكتاب‏.‏
3/853 وروينا في صحيح مسلم عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه قال‏:‏قال لي النبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئاً وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ‏"‏‏.‏(36)
 بابُ استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب
1/854 روينا في سنن أبي داود، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏كان كلام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كلاماً فصلاً يفهمه كلُّ مَن يسمعُه‏.‏ ‏(37)
2/855 وروينا في صحيح البخاري، عن أنس رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، أنه كان إذا تكلَّم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تُفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلَّم عليهم، سلَّم عليهم ثلاثاً‏.‏ (38)
 بابُ المزاح
1/856 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي اللّه عنه،أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقولُ لأخيه الصغير‏:‏ ‏"‏يا أبا عُمَيْرٍ ما فَعَلَ النُّغَيْرُ‏"‏‏.‏
2/857 وروينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن أنس أيضاً؛أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم قال له‏:‏ ‏"‏يا ذَا الأُذُنَيْنِ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث صحيح‏.‏ ‏(39)
3/858 وروينا في كتابيهما أيضاً؛أن رجلاً أتى النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسولَ اللّه‏!‏ احملني، فقال‏:‏ ‏"‏إني حامِلُكَ على وَلَدِ النَّاقَةِ‏"‏ فقال‏:‏ يا رسولَ اللّه‏!‏ وما أصنعُ بولد الناقة‏؟‏ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏وَهَلْ تَلدُ الإِبلَ إِلاَّ النُّوقُ‏؟‏‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ (40)
4/859 وروينا في كتاب الترمذي، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏قالوا‏:‏ يا رسولَ اللّه‏!‏ إنك تداعبنا‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏إني لا أقُولُ إِلاَّ حَقَّاً‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (41)
5/860 وروينا في كتاب الترمذي، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما،عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا تُمَارِ أخاكَ وَلا تُمازِحْهُ وَلا تَعِدْهُ مَوْعِداً فَتُخْلِفَهُ‏"‏‏.‏‏(42)
قال العلماء‏:‏ المزاحُ المنهيُّ عنه، هو الذي فيه إفراط ويُداوم عليه، فإنه يُورث الضحك وقسوةَ القلب، ويُشغل عن ذكر اللّه تعالى والفكر في مهمات الدين، ويؤولُ في كثير من الأوقات إلى الإِيذاء، ويُورث الأحقاد، ويُسقطُ المهابةَ والوقارَ‏.‏ فأما ما سَلِمَ من هذه الأمور فهو المباحُ الذي كان رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يفعله، فإنه صلى اللّه عليه وسلم إنما كان يفعله في نادر من الأحوال لمصلحة وتطييب نفس المخاطب ومؤانسته، وهذا لا منعَ منه قطعاً، بل هو سنّةٌ مستحبةٌ إذا كان بهذه الصفة، فاعتمدْ ما نقلناه عن العلماء وحقَّقناه في هذه الأحاديث وبيان أحكامها، فإنه مما يَعظمُ الاحتياجُ إليه، وباللّه التوفيق‏.‏
 بابُ الشَّفاعَة
اعلم أنه تُستحبّ الشفاعة إلى ولاة الأمر وغيرهم من أصحاب الحقوق والمستوفين لها ما لم تكن شفاعةً في حدٍّ أو شفاعةً في أمر لا يجوز تركهُ؛ كالشفاعة إلى ناظرٍ على طفل أو مجنون أو وقف، أو نحو ذلك في ترك بعض الحقوق التي في ولايته، فهذه كلُّها شفاعة محرّمة تحرم على الشافع، ويحرم على المشفوع إليه قبولها، ويحرم على غيرهما السعي فيها إذا علمها؛ ودلائلُ جميع ما ذكرته ظاهرة في الكتاب والسنّة وأقوال علماء الأمة، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها، وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها، وكانَ اللَّهُ على كُلّ شَيْءٍ مُقِيتاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏85‏]‏ المقيت‏:‏ المقتدر والمقدّر، هذا قول أهل اللغة، وهو محكيٌّ عن ابن عباس وآخرين من المفسرين‏.‏ وقال آخرون منهم المقيت‏:‏ الحفيظ، وقيل المقيت‏:‏ الذي عليه قوت كل دابة ورزقها‏.‏ وقال الكلبي‏:‏ المقيت المجازي بالحسنة والسيئة، وقيل المقيت الشهيد، وهو راجع إلى معنى الحفيظ‏.‏ وأما الكِفْل فهو الحظ والنصيب، وأما الشفاعة المذكورة في الآية‏:‏ فالجمهور على أنها هذه الشفاعة المعروفة، وهي شفاعة الناس بعضهم في بعض؛ وقيل الشفاعة الحسنة أن يشفع إيمانه بأنه يقاتل الكفار، واللّه أعلم‏.‏
1/861 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه قال‏:‏كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال‏:‏ ‏"‏اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّه على لسانِ نَبِيِّهِ ما أحَبَّ‏"‏ وفي رواية ‏"‏ما شاءَ‏"‏ وفي رواية أبي داود ‏"‏اشْفَعُوا إِليَّ لِتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللَّهُ على لِسانِ نَبِيِّهِ ما شاءَ‏"‏ وهذه الرواية توضّح معنى رواية الصحيحين‏.‏ ‏(43)
2/862 وروينا في صحيح البخاري،عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قصة بريرة وزوجها، قال‏:‏ قال لها النبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَوْ رَاجعتِيهِ‏؟‏ قالت‏:‏ يا رسول اللّه تأمرني‏؟‏ قال‏:‏ إنما أشْفَعُ، قالتْ‏:‏ لا حاجةَ لي فيه‏"‏‏.‏(44)
3/863 وروينا في صحيح البخاري،عن ابن عباس، قال‏:‏ لما قَدِمَ عيينةُ بن حصن بن حذيفة بن بدر نزلَ على ابن أخيه الحرّ بن قيس، وكانَ من النفر الذين يُدنيهم عمرُ رضي اللّه عنه، فقال عيينة‏:‏ يا بن أخي‏!‏ لك وجهٌ عند هذا الأمير فاستأذنْ لي عليه، فاستأذنَ له عمرَ، فلما دخل قال‏:‏ هي يا بن الخطاب‏!‏ فو اللّه ما تُعطينا الجزلَ ولا تحكمُ بيننا بالعدل، فغضبَ عمر حتى همّ أن يُوقع به، فقال الحرّ‏:‏ يا أميرَ المؤمنين‏!‏ إن اللّه عزّ وجلّ قال لنبيه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏{‏خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بالعُرْفِ، وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلين‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 199‏]‏ وإن هذا من الجاهلين، فو اللّه ما جاوزها عمرُ حين تلاها عليه، وكان وقَّافاً عند كتاب اللّه تعالى‏.‏ ‏(45)
 بابُ استحباب التَّبْشيرِ والتَّهنئةِ
قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَنادَتْهُ المَلائِكَةُ وهُو قائِمٌ يُصلّي في المِحْرابِ أنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏39‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ولمَّا جاءتْ رُسُلُنا إبرَاهِيمَ بالبُشْرَى‏}‏ ‏[‏العنكبوت‏:‏31‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إبْرَاهِيمَ بالبُشْرَى‏}‏ ‏[‏هود‏:‏69‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلام حَلِيمٍ‏}‏ ‏[‏الصَّافات‏:‏101‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏28‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قالُوا لا تَوْجَلْ إنَّا نُبشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏53‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَامْرأتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بإسْحَقَ وَمنْ وَرَاءِ إسْحَقَ يَعْقُوبََ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏71‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِذ قَالَتِ المَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ‏}‏ الآية‏[‏آل عمران‏:‏45‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ذلكَ الَّذي يُبَشِّرُ اللَّهُ عبادَهُ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحات‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏23‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَبَشِّرْ عِبادِ، الَّذينَ يَسْتَمِعونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعونَ أحْسَنَهُ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏17ـ18‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأبْشِرُوا بالجَنَّةِ الَّتي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ‏}‏ ‏[‏فصّلت‏:‏30‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ تَرى المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنْهَارُ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏12‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏21‏]‏‏.‏
وأما الأحاديث الواردة في البشارة فكثيرة جداً في الصحيح مشهورة، فمنها حديث تبشير خديجة رضي اللّه عنها ببيت في الجنة من قصب لا نصبَ فيه ولا صخب (46)‏ ‏.‏ ومنها حديث كعب بن مالك رضي اللّه عنه المخرّج في الصحيحين (47) في قصة توبته قال‏:‏ سمعت صوت صارخ يقولُ بأعلى صوته‏:‏ يا كعبَ بن مالك أبشر، فذهبَ الناسُ يبشروننا، وانطلقتُ أتأمّم رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتلقاني الناسُ فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة، ويقولون‏:‏ ليهنئك توبةُ اللّه تعالى عليك حتى دخلتُ المسجدَ، فإذا رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم حولَه الناس، فقام طلحةُ بن عبيد اللّه يُهرول حتى صافحني وهنّأني، وكان كعبٌ لا ينساها لطلحة؛ قال كعبُ‏:‏ فلما سلَّمتُ على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال وهو يُبْرقُ وجهُه من السرور‏:‏ ‏"‏أبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدتْكَ أُمُّكَ‏"‏‏.‏
 بابُ جَواز التعجّب بلفظ التَّسبيحِ والتَّهليلِ ونحوهما
1/864 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم لقيه وهو جُنُب، فانسلَّ فذهبَ فاغتسلَ، فتفقَّده النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، فلما جاء قال‏:‏ ‏"‏أيْنَ كُنْتَ يا أبا هُرَيْرَةَ‏؟‏‏!‏‏"‏ قال‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ لقيتني وأنا جُنُب فكرهتُ أن أُجالسَك حتى أغتسل، فقال‏:‏ ‏"‏سُبْحانَ اللَّه‏!‏ إنَّ المُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ‏"‏‏.‏(48)
2/865 وروينا في صحيحيهما عن عائشة رضي اللّه عنها‏:‏أن امرأة سألتِ النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم عن غسلها من الحيض، فأمرَها كيف تغتسلُ قال‏:‏ ‏"‏خُذِي فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّري بِهَا، قالت‏:‏ كيف أتطهرُ بها‏؟‏ قال‏:‏ تَطَهرِي بِهَا، قالت‏:‏ كَيْفَ‏؟‏ قال‏:‏ سبْحانَ اللَّهِ‏!‏ تَطَهَّرِي، فاجتذبتُها إليّ فقلتُ‏:‏ تتبعي أثرَ الدم‏"‏‏.‏(49)
قلتُ‏:‏ هذا لفظ إحدى روايات البخاري، وباقيها روايات مسلم بمعناه، والفِرصة بكسر الفاء وبالصاد المهملة‏:‏ القطعة‏.‏ والمسك بكسر الميم‏:‏ وهو الطيب المعروف، وقيل الميم مفتوحة، والمراد الجلد، وقيل أقوال كثيرة‏:‏ والمختار أنها تأخذ قليلاً من مسك فتجعله في قطنة أو صوفة أو خرقة أو نحوها فتجعله في الفرج لتُطيِّبَ المحلّ وتزيلَ الرائحةَ الكريهة؛ وقيل‏:‏ إن المطلوب منه إسراع علوق الولد، وهو ضعيف، واللّه أعلم‏.‏
3/866 وروينا في صحيح مسلم عن أنس رضي اللّه عنه‏:‏أن أُختَ الرُّبَيِّع أُمّ حارثة جرحت إنساناً، فاختصموا إلى النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم، فقال‏:‏ ‏"‏القِصَاصَ القِصَاصَ‏"‏‏.‏ فقالت أُمّ الرُبَيِّع‏.‏ يا رسول اللّه‏!‏ أتقتصّ من فلانة واللّه لا يُقتصُّ منها‏؟‏ فقال النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏سُبْحانَ اللَّهِ يا أُمَّ الرُبَيِّع‏!‏ القِصَاصُ كتابُ اللّه‏"‏‏(50)‏ قلتُ‏:‏ أصل الحديث في الصحيحين، ولكن هذا المذكور لفظ مسلم وهو غرضنا هنا، والرُبَيِّع
بضم الراء وفتح الباء الموحدة وكسر الياء المشددة‏.‏
4/867 وروينا في صحيح مسلم، عن عِمرانَ بن الحُصين رضي اللّه عنهما في حديثه الطويل‏:‏ في قصة المرأة التي أُسرت، فانفلتتْ وركبتْ ناقةَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، ونذرتْ إن نجّاها اللّه تعالى لتنحرنّها، فجاءت فذكروا ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال‏:‏ ‏"‏سُبْحانَ اللّه‏!‏ بِئْسَ ما جَزَتْها‏"‏‏.‏‏(51)
5/868 وروينا في صحيح مسلم،عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه، في حديث الاستئذان أنه قال عمر رضي اللّه عنه‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث، وفي آخره‏:‏ يا ابْنَ الخَطابِ‏!‏ لا تَكُونَنَّ عَذَاباً على أصْحابِ رَسُول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال‏:‏ سبحانَ اللّه‏!‏ إنما سمعتُ شيئاً فأحببتُ أن أتَثَبَّتَ‏.‏ (52)
6/869 وروينا في الصحيحين في حديث عبد اللّه بن سلام الطويل لما قيل‏:‏إنك من أهل الجنة، قال‏:‏ سبحان اللّه‏!‏ ما ينبغي لأحد أن يقول ما لم يعلم، وذكر الحديث‏.‏ (53)
 بابُ الأمرِ بالمعروف والنَّهي عن المنكرِ
هذا الباب أهمُّ الأبواب، أو من أهمِّها لكثرة النصوص الواردة فيه، لعظم موقعه وشدّة الاهتمام به، وكثرة تساهل أكثر الناس فيه، ولا يمكن استقصاء ما فيه هنا لكن لا نخلّ بشيء من أصوله، وقد صنَّفَ العلماء فيه متفرّقات، وقد جمعتُ قطعةً منه في أوائل شرح صحيح مسلم، ونبّهت فيه على مهمات لا يُستغنى عن معرفتها، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الخَيْرِ؛ ويأْمرونَ بالمَعْروفِ وَيَنْهَوْنَ عَن المنكَر وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 104‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بالعُرْفِ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏199‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالمُؤْمِنُونَ والمُؤْمناتُ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ، يأْمُرُونَ بالمَعْرُوفِ وَيَنْهُونَ عَنِ المُنْكَرِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏71‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏79‏]‏ والآيات بمعنى ما ذكرته مشهورة‏.‏
1/870 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال‏:‏سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏مَنْ رأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فإنْ لَم يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذلكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ‏"‏‏.‏(54)
2/871 وروينا في كتاب الترمذي، عن حذيفة رضي اللّه عنه،عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ تَعالى أن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقاباً مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجَابَ لَكُمْ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ ‏(55)
3/872 وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، بأسانيد صحيحةعن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه قال‏:‏ يا أيّها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية‏:‏ ‏{‏يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ ‏}‏‏[‏المائدة‏:‏105‏]‏ وإني سمعتُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إِنَّ النَّاسَ إذَا رأوا الظَّالِمَ فَلَمْ يأخُذُوا على يَدَيْهِ أوْشَكَ أنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقابٍ مِنْهُ‏"‏‏.‏‏(56)
4/873 وروينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما، عن أبي سعيد،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أفْضَلُ الجهادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عنْدَ سُلْطَانٍ جائرٍ‏"‏، قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (57)
قلت‏:‏ والأحاديثُ في الباب أشهر من أن تُذكر، وهذه الآية الكريمة مما يَغترّ بها كثير من الجاهلين ويحملونها على غير وجهها، بل الصواب في معناها‏:‏ أنكم إذا فعلتم ما أُمرتم به فلا يَضرّكم ضَلالةُ مَن ضلّ‏.‏ ومن جملة ما أمروا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآية قريبة المعنى من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما على الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ‏}‏ ‏[‏العنكبوت‏:‏18‏]‏‏.‏
واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له شروط وصفات معروفة ليس هذا موضع بسطها، وأحسنُ مظانّها إحياء علوم الدين، وقد أوضحتُ مهماتها في شرح مسلم، وباللّه التوفيق‏.‏

استحباب إعلامِ الرَّجُلِ من يُحبُّه أنَّه يحبُّه، وما يقولُه له إذا أعلمَه. ما يقولُ إذا رَأى مُبتلى بمرضٍ أو غيرِه.ستحباب حمدِ اللّه تعالى للمسؤول عن حاله أو حال محبُوبه مع جوابه إذا كان في جوابه إخبارٌ بطيبِ حالِه.ما يقولُ إذا دخلَ السُّوقَ.استحباب قولِ الإِنسانِ لمن تزوَّجَ تزوّجاً مُستحباً، أو اشترى أو فعل فِعْلاً يَستحسنُه الشرعُ‏:‏ أصبتَ أو أحسنتَ ونحوه.ما يقولُ إذا نظرَ في المِرْآة.ما يَقولُ عندَ الحِجَامَة.ما يَقولُ إذا طَنَّتْ أُذُنه.ما يقولُه إذا خَدِرَتْ رِجْلُه.جَواز دُعاء الإِنسان على مَنْ ظَلَمَ المسلمين أو ظلَمه وحدَه. ما يَقولُ مَنْ كانَ في لسانِه فُحْشٌ.ما يَقولُه إذا عَثَرَتْ دَابّتُه.دُعاءِ الإِنسانِ لمن صَنَعَ معروفاً إليه أو إلى النَّاسِ كلِّهم أو بعضِهم، والثناءِ عليه وتحريضه على ذلك.استحبابِ مُكافأةِ المُهْدي بالدعاءِ للمُهْدَى له إذا دَعا له عندَ الهدية.اسْتحبابِ اعتذارِ مَن أُهديتْ إليه هديّةٌ فردَّها لمعنى شرعي بأن يكون قاضياً أو والياً أو كان فيها شُبهة أو كان له عذرٌ غير ذلك.ما يقولُ لمن أزالَ عنه أذىً.ما يقولُ إذا رَأى البَاكُورة مِن الثمر.استحبابِ الاقتصَادِ في الموعظة والعلم. فَضْل الدِّلاَلةِ على الخير والحَثِّ عليها. حثِّ مَنْ سُئلَ علماً لا يعلمُه ويعلمُ أنَّ غيرَه يعرفُه على أن يَدُلَّ عليه.ما يَقولُ مَن دُعي إلى حُكْمِ اللَّهِ تعالى.

بابُ استحباب إعلامِ الرَّجُلِ من يُحبُّه أنَّه يحبُّه، وما يقولُه له إذا أعلمَه
1/774 روينا في سنن أبي داود والترمذي، عن المقدام بن معد يكرب رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إِذَا أحَبَّ الرَّجُلُ أخاهُ فَلْيُخْبِرُهُ أنَّهُ يُحِبُّهُ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ (1)
2/775 وروينا في سنن أبي داود، عن أنس رضي اللّه عنه؛ أن رجلاً كان عندَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، فمرّ رجلٌ فقال‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ إني لأحبُّ هذا، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أعْلَمْتَهُ‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ ‏"‏أعْلِمْهُ‏"‏ فلحقه فقال‏:‏ إني أُحبك في اللّه، قال‏:‏ أحبَّك الذي أحببتني له‏.‏ (2)
4/777 وروينا في كتاب الترمذي، عن يزيدَ بن نعامة الضبيّ قال‏:‏ قالَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا آخَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَلْيَسْأَلْهُ عَنِ اسْمِهِ وَاسْمِ أبيه وَممّنْ هُوَ، فإنَّه أوْصَلُ لِلْمَوَدَّةِ‏"‏‏.‏
قال الترمذي‏:‏ حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال‏:‏ ولا نعلم ليزيدَ بن نعامة سماعاً من النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال‏:‏ ويُروى عن ابن عمر عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم نحو هذا، ولا يصحّ إسناده‏.‏ (3)
قلتُ‏:‏ وقد اخْتُلف في صحبة (4)‏ يزيدَ بن نعامة فقال عبد الرحمن بن أبي حاتم‏:‏ لا صحبةَ له، قال‏:‏ وحكى البخاري أن له صحبة، قال‏:‏ وغَلِطَ‏.‏
 بابُ ما يقولُ إذا رَأى مُبتلى بمرضٍ أو غيرِه
1/778 روينا في كتاب الترمذي، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ رأى مُبْتَلىً فَقالَ‏:‏ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي عافاني مِمَّا ابْتلاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً، لَمْ يُصِبْهُ ذلكَ البَلاءُ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (5)
2/779 وروينا في كتاب الترمذي، عن عمرَ بن الخطاب رضي اللّه عنه؛أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ رأى صَاحِبَ بَلاءٍ فَقالَ‏:‏ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي عافانِي مِمَّا ابْتَلاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفضِيلاً إِلاَّ عُوفِيَ مِنْ ذلكَ البَلاءِ كائِناً ما كانَ ما عاش‏"‏ ضعَّفَ الترمذي إسنادَه‏.‏ (6)
قلتُ‏:‏ قال العلماءُ من أصحابنا وغيرهم‏:‏ ينبغي أن يقولَ هذا الذكرَ سِرّاً بحيثُ يُسمعُ نفسَه ولا يُسمعُه المبتلى لئلا يتألَّمَ قلبُه بذلك، إلا أن تكون بليّتُه معصيةً فلا بأس أن يُسمعَه ذلك إن لم يخفْ من ذلك مفسدة، واللّه أعلم‏.‏
 بابُ استحباب حمدِ اللّه تعالى للمسؤول عن حاله أو حال محبُوبه مع جوابه إذا كان في جوابه إخبارٌ بطيبِ حالِه
1/780 روينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما؛ أن عليّاً رضيَ اللّه عنه خرجَ من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في وجعهِ الذي تُوفي فيه، فقال الناسُ‏:‏ يا أبا حسنٍ‏!‏ كيف أصبحَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏أصْبَحَ بِحَمْدِ اللّه تَعالى بارئاً‏"‏‏.‏‏(7)
 بابُ ما يقولُ إذا دخلَ السُّوقَ
1/781 روينا في كتاب الترمذي وغيره، عن عمرَ بن الخطاب رضي اللّه عنه؛ أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فقالَ‏:‏ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيِي ويُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏:‏ كَتبَ اللَّهُ لَهُ ألْفَ ألْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ ألْفَ ألْفِ سَيِّئْةٍ، وَرَفَعَ لَهُ ألْفَ ألْفِ دَرَجَة‏"‏ (8)‏رواه الحاكم أبو عبد اللّه في المستدرك على الصحيحين من طرق كثيرة، وزاد فيه في بعض طرقه ‏"‏وَبَنى لَهُ بَيْتاً في الجَنَّةِ‏"‏ وفيه من الزيادة‏:‏ قال الراوي‏:‏ فقدمتُ خراسان، فأتيتُ قُتَيبةَ بن مسلم فقلتُ‏:‏ أتيتكَ بهدية فحدّثته بالحديث، فكان قتيبةُ بن مُسلم يركبُ في موكبه حتى يأتيَ السوقَ فيقولُها ثم ينصرف‏.‏ ورواه الحاكم أيضاً من رواية ابن عمر عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال الحاكم‏:‏ وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وبُريدة الأسلمي وأنس، قال‏:‏ وأقربُها من شرائط هذا الكتاب حديث بُريدة (9)‏ بغير هذا اللفظ، فرواه بإسناده عن بُريدة قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دخل السوق قال‏:‏ ‏"‏باسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ خَيْرَ هَذِهِ السّوقِ وَخَيْرَ ما فِيها، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرّ ما فِيهَا؛ اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ أنْ أُصِيبَ فِيها يَمِيناً فاجِرَةً، أوْ صَفْقَةً خاسِرَةً‏"‏‏.‏
 بابُ استحباب قولِ الإِنسانِ لمن تزوَّجَ تزوّجاً مُستحباً، أو اشترى أو فعل فِعْلاً يَستحسنُه الشرعُ‏:‏ أصبتَ أو أحسنتَ ونحوه
1/782 روينا في صحيح مسلم، عن جابر رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏تَزَوَّجْتَ يا جابِرُ‏؟‏‏!‏ قلت‏:‏ نَعم، قال‏:‏ بِكْراً أَمْ ثَيِّباً‏؟‏ قلتُ‏:‏ ثيّباً يا رسول اللّه‏!‏ قال‏:‏ فهَلاّ جارِيَةً تُلاعِبُها وَتُلاعِبُكَ‏؟‏‏"‏ أو قال‏:‏ ‏"‏تُضَاحِكُهَا وتُضَاحِكُكَ‏"‏‏.‏ قلت‏:‏ إن عبد اللّه ـ يعني أباه ـ تُوفي وتركَ تسعَ بناتٍ - أو سبعا ً- وإني كرهتُ أن أجيئهنّ بمثلهنّ، فأحببتُ أنْ أجيءَ بامرأةٍ تقومُ عليهنّ وتُصْلِحُهنّ، قال‏:‏ ‏"‏أصَبْتَ‏"‏ وذكر الحديث‏.‏ ‏(10)
 بابُ ما يقولُ إذا نظرَ في المِرْآة
1/783 روينا في كتاب ابن السني، عن عليّ رضي اللّه عنه؛ أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا نظر في المرآة قال‏:‏ ‏"‏الحَمْد لِلَّهِ، اللَّهُمَّ كما حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي‏"‏‏.‏(11)
ورويناه فيه، من رواية ابن عباس بزيادة‏.‏
2/784 ورويناه فيه، من رواية أنس قال‏:‏ كان رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا نظرَ وجهَه في المرآةِ قال‏:‏ ‏"‏الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي سَوَّى خَلْقي فَعَدَّلَهُ، وَكَرَّمَ صُورَةَ وَجْهِي فَحَسَّنَها، وَجَعَلَني مِنَ المُسْلِمينَ‏"‏‏.‏(12)
 بابُ ما يَقولُ عندَ الحِجَامَة
1/785 روينا في كتاب ابن السني، عن عليّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ قَرأ آيَة الكُرْسِيِّ عِنْدَ الحِجامَةِ كانَتْ مَنْفَعَةَ حِجامَتِهِ‏"‏‏.‏‏(13)
 بابُ ما يَقولُ إذا طَنَّتْ أُذُنه
1/786 روينا في كتاب ابن السني، عن أبي رافع رضي اللّه عنه مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا طَنَّتْ أُذُنُ أحَدِكُمْ فَلْيَذْكُرْنِي وَليُصَلّ عَليَّ ولْيَقُلْ‏:‏ ذَكَرَ اللَّهُ بِخَيْرٍ مَنْ ذَكَرَنِي‏"‏‏.‏‏(14)
 بابُ ما يقولُه إذا خَدِرَتْ رِجْلُه
1/787 روينا في كتاب ابن السني عن الهيثم بن حنش قال‏:‏ كنَّا عندَ عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما فخدِرَتْ رجلُه، فقال له رجل‏:‏ اذكر أحبَّ الناس إليك، فقال‏:‏ يا محمّدُ صلى اللّه عليه وسلم، فكأنما نُشِطَ من عِقَال‏.‏ (15)
2/788 وروينا فيه، عن مُجاهد قال‏:‏ خَدِرَتْ رِجلُ رجلٍ عند ابن عباس، فقال ابنُ عباس رضي اللّه عنهما‏:‏ اذكر أحبَّ الناس إليك، فقال‏:‏ محمّدٌ صلى اللّه عليه وسلم فذهبَ خَدَرُه‏.‏ (16)
وروينا فيه ‏(17) ، عن إبراهيم بن المنذر الحزامي أحدِ شيوخ البخاري الذين روى عنهم في صحيحه قال‏:‏ أهلُ المدينة يَعجبون من حُسن بيت أبي العتاهية‏:‏
وتَخْدَرُ في بعضِ الأحايينِ رِجْلُهُ * فإنْ لم يَقلْ يا عُتْب لم يذهبِ الخَدَرْ
 بابُ جَواز دُعاء الإِنسان على مَنْ ظَلَمَ المسلمين أو ظلَمه وحدَه
اعلم أن هذا الباب واسعٌ جداً، وقد تظاهرَ على جوازه نصوصُ الكتاب والسنّة، وأفعالُ سلف الأمة وخلفها، وقد أخبرَ اللّه سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة معلومة من القرآن عن الأنبياء صلواتُ اللّه وسلامُه عليهم بدعائهم على الكفّار‏.‏
1/789 روينا في صحيح البخاري ومسلم، عن عليّ رضي اللّه عنه‏:‏ أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال يوم الأحزاب‏:‏ ‏"‏مَلأَ اللَّه قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ ناراً كما شَغَلُونا عَنِ الصَّلاةِ الوُسْطَى‏"‏‏.‏‏(18)
2/790 وروينا في الصحيحين، من طرق‏:‏ أنه صلى اللّه عليه وسلم دعا على الذين قَتلوا القرَّاءَ رضي اللّه عنهم، وأدامَ الدعاءَ عليهم شهراً يقولُ‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ الْعَنْ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ‏"‏‏.‏‏(19)
3/791 وروينا في صحيحيهما، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه في حديثه الطويل ،في قصة أبي جهلٍ وأصحابه من قريش حين وَضَعُوا سَلاَ الجزور على ظهر النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، فدعا عليهم وكان إذا دعا، دعا ثلاثاً ثم قال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ‏"‏ ثلاثَ مرّاتٍ، ثم قال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ عليكَ بأبي جَهْلٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبيعَةَ‏"‏ وذكر تمام السبعة، وتمام الحديث‏.‏ (20)
4/792 وروينا في صحيحيهما، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنَّ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يدعو‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطأتَكَ على مُضَرَ؛ اللَّهُمَّ اجْعَلْها عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنيِّ يُوسُفَ‏"‏‏.‏(21)
5/793 وروينا في صحيح مسلم، عن سلمةَ بن الأكوع رضي اللّه عنه‏:‏ أن رجلاً أكل بشماله عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏كُلْ بِيَمِينِكَ‏"‏ قال‏:‏ لا أستطيع، قال‏:‏ ‏"‏لا اسْتَطَعْتَ‏"‏ ما منَعه إلا الكبرُ، قال‏:‏ فما رفعَها إلى فِيْه‏.‏ (22)
قلتُ‏:‏ هذا الرجل هو بُسر ـ بضم الباء وبالسين المهملة ـ ابن راعي العير الأشجعي، صحابي، ففيه جواز الدعاء على مَن خالف الحكم الشرعي‏.‏
6/794 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن جابر بن سمرة قال‏:‏ شكا أهلُ الكوفة سعدَ بن أبي وقاص رضي اللّه عنه إلى عمر رضي اللّه عنه، فعزلَه واستعملَ عليهم‏.‏‏.‏ وذكرَ الحديثَ إلى أن قال‏:‏ أرسل معه عمر رجالاً أو رجلاً إلى الكوفة يسألُ عنه، فلم يدعْ مسجداً إلا سألَ عنه ويُثنون معروفاً، حتى دخل مسجداً لبني عَبْسٍ، فقامَ رجلٌ منهم يُقال له أُسامة بن قتادة، يُكَنَّى أبا سعدة فقال‏:‏ أما إذا نشدتنا فإن سعداً لا يسيرُ بالسريّة، ولا يَقسِمُ بالسويّة، ولا يَعدِلُ في القضية‏.‏ قال سعد‏:‏ أما واللّه لأدعونّ بثلاث‏:‏ اللهمّ إن كان عبدُك هذا كاذباً قام رياءً وسمعةً فأطلْ عمرَه، وأطلْ فقرَه، وعرّضْه للفتن‏.‏ فكانَ بعد ذلك يقول‏:‏ شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد‏.‏ قال عبد الملك بن عُمير الراوي، عن جابر بن سمرة‏:‏ فأنا رأيتُه بعدُ قد سقطَ حاجباه على عينيه من الكِبَر، وإنه ليتعرّضُ للجواري في الطرق فيغمزُهنّ‏.‏ ‏(23)
7/795 وروينا في صحيحيهما، عن عروة بن الزبير؛ أن سعيدَ بن زيد رضي اللّه عنهما خاصمْتُه أروى بنتُ أوْس ـ وقيل‏:‏ أُويس ـ إلى مروان بن الحكم، وادّعتْ أنه أخذ شيئاً من أرضها، فقال سعيد رضي اللّه عنه‏:‏ أنا كنتُ آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعتُ من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ ما سمعتَ من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏مَنْ أخَذَ شبْراً مِنَ الأرْضِ ظُلْماً طُوِّقَهُ إلى سَبْعِ أرَضِينَ‏"‏ قال مروان‏:‏ لا أسألُك بيِّنةً بعد هذا، فقال سعيد‏:‏ اللهمّ إن كانت كاذبة فأعم بصرها واقتلْها في أرضها، قال‏:‏ فما ماتتْ حتى ذهبَ بصرُها، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعتْ في حفرة فماتت‏.‏ ‏(24)
 بابُ التبرّي مِنْ أَهلِ البدعِ والمَعاصي
1/796 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي بُردة بن أبي موسى قال‏:‏ وجع أبو موسى رضي اللّه عنه وجعاً، فغُشي عليه ورأسُه في حِجر امرأة من أهله، فصاحت امرأةٌ من أهله فلم يستطعْ أن يردَّ شيئاً، فلما أفاق قال‏:‏ أنا بريءٌ ممّن برىء منه رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم برىءَ من الصَّالقةِ والحَالقةِ والشَّاقةِ‏.‏ قلت‏:‏ الصَّالقةُ‏:‏ الصائحة بصوت شديد؛ والحالقةُ‏:‏ التي تحلق رأسَها عند المصيبة؛ والشَّاقةُ‏:‏ التي تشقُّ ثيابَها عند المصيبة‏.‏ (25)
2/797 وروينا في صحيح مسلم، عن يحيى بن يَعمر قال‏:‏ قلتُ لابن عمر رضي اللّه عنهما‏:‏ أبا عبد الرحمن‏!‏ إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرأون القرآن ويزعمون أن لا قَدَر، وأنّ الأمرَ أُنُفٌ، فقال‏:‏ إذا لقيت أولئك فأخبرهم أنّي بريءٌ منهم وأنهم بَرآءُ مني (26)‏قلت‏:‏ أُنُف بضمّ الهمزة والنون‏:‏ أي مُستأنف لم يتقدّم به علم ولا قدر، وكذب أهل الضلالة، بل سبق علم اللّه تعالى بجميع المخلوقات‏.‏
 بابُ ما يقولُه إذا شرعَ في إزالةِ مُنكر
1/798 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال‏:‏ دخل النبيّ صلى اللّه عليه وسلم مكة يوم الفتح، وحول الكعبة ثلاثمائةٍ وستون نُصُباً، فجعلَ يطعنُها بعود كان في يده، ويقول‏:‏ ‏"‏جاءَ الحَقُّ، وَزَهَقَ الباطلُ، إنّ الباطِلَ كانَ زَهُوقاً جاءَ الحَقُّ وَما يُبْدِىءُ الباطِلُ وما يُعِيدُ‏"‏‏.‏(27)
 بابُ ما يَقولُ مَنْ كانَ في لسانِه فُحْشٌ
1/799 روينا في كتابي ابن ماجه وابن السني، عن حُذيفةَ رضي اللّه عنه قال‏:‏ شكوتُ إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذَرَبَ لساني، فقال‏:‏ ‏"‏أيْنَ أنْتَ مِنَ الاسْتِغْفارِ‏؟‏ إني لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةِ‏"‏‏.‏‏(28)
قلتُ‏:‏ الذََْب بفتح الذال المعجمة والراء، قال أبو زيد وغيره من أهل اللغة‏:‏ هو فُحش اللسان‏.‏
 بابُ ما يَقولُه إذا عَثَرَتْ دَابّتُه
1/800 روينا في سنن أبي داود، عن أبي المليح التابعي المشهور عن رجل قال‏:‏ كنتُ رديفَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، فعثرت دابّته فقلتُ‏:‏ تَعِسَ الشيطان، فقال‏:‏ ‏"‏لا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطانُ، فإنَّكَ إذَا قُلْتَ ذلكَ تَعاظَمَ حتَّى يَكُونَ مِثْلَ البَيْتِ، وَيَقُولُ‏:‏ بِقُوَّتِي، وَلَكِنْ قُلْ‏:‏ باسْمِ اللَّهِ، فإنَّكَ إذَا قُلْتَ ذلك تَصَاغَرَ حتى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبابِ‏"‏ قلتُ‏:‏ هكذا رواه أبو داود عن أبي المليح عن رجل هو رَديف النبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏.‏
2/801 ورويناه في كتاب ابن السني، عن أبي المليح عن أبيه، وأبوه صحابي اسمه أُسامة على الصحيح المشهور، وقيل فيه أقوال أُخَر‏.‏
وكِلا الروايتين صحيحة متصلة، فإن الرجل المجهول في رواية أبي داود صحابي، والصحابة رضي اللّه عنهم كلُّهم عدولٌ لا تضرُّ الجَهَالةُ بأعيانهم‏.‏ وأما قوله تَعَس، فقيل معناه‏:‏ هلك، وقيل سقط، وقيل عثر، وقيل لزمه الشرّ، وهو بكسر العين وفتحها، والفتح أشهر، ولم يذكر الجوهري في صِحاحه غيره‏.‏ (29)
 بابُ بيانِ أنه يُستحبُّ لكبير البلد إذا مات الوالي أن يخطب الناس يُسكِّنهم ويعظُهم ويأمُرهم بالصبرِ والثباتِ على ما كانُوا عليه
1/802 روينا في الحديث المشهور في خطبة أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه يوم وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وسلم وقوله رضي اللّه عنه‏:‏ مَنْ كان يعبدُ محمّداً، فإنَّ محمّداً قد ماتَ، ومَنْ كانَ يعبدُ اللّه، فإنَّ اللَّه حيٌّ لا يموت‏.‏ (30)
2/803 وروينا في الصحيحين، عن جرير بن عبد اللّه أنه يوم ماتَ المغيرةُ بن شعبة وكان أميراً على البصرة والكوفة، قام جريرٌ فحمِد اللّه تعالى وأثنى عليه وقال‏:‏ عليكم باتقاء اللّه وحدَه لا شريكَ له، والوقارَ والسكينةَ حتى يأتيَكم أميرٌ فإنما يأتيكم الآن‏.‏ ‏(31)
 بابُ دُعاءِ الإِنسانِ لمن صَنَعَ معروفاً إليه أو إلى النَّاسِ كلِّهم أو بعضِهم، والثناءِ عليه وتحريضه على ذلك
1/804 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما قال‏:‏ أتى النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم الخلاءَ، فوضعتُ له وَضوءاً، فلما خرج قال‏:‏ ‏"‏مَنْ وَضَعَ هَذَا‏؟‏‏"‏ فأُخبر، قال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ‏"‏ زاد البخاري ‏"‏فَقِّهْهُ في الدِّينِ‏"‏‏.‏
2/805 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي قتادة رضي اللّه عنه في حديثه الطويل العظيم المشتمل على معجزاتٍ متعدّداتٍ لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ فبينا رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسيرُ حتى ابْهَارَّ الليل وأنا إلى جنبه، فنَعَس رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمالَ عن راحلته فأتيتُه فدعَّمتُه من غير أن أُوقظَه حتى اعتدل على راحلته، ثم سارَ حتى تَهَوَّر الليلُ مال عن راحلته، فدعَّمتُه من غير أن أوقظَه حتى اعتدل على راحلته، ثم سارَ حتى إذا كان من آخر السَّحَر مالَ ميلة هي أشدّ من الميلتين الأُولَيَيْن حتى كاد ينجفلُ، فأتيتُه فدعَّمته، فرفعَ رأسَه فقال‏:‏ ‏"‏مَنْ هَذَا‏؟‏‏"‏ قلتُ‏:‏ أبو قتادة، قال‏:‏ ‏"‏مَتَى كان هَذَا مَسِيركَ مِنِّي‏؟‏‏"‏ قلتُ‏:‏ ما زال هذا مسيري منذ الليلة، قال‏:‏ ‏"‏حَفِظَكَ اللّه بِما حَفِظْتَ بِهِ نَبِيّهُ‏"‏ وذكر الحديث‏.
قلت‏:‏ ابهارَّ بوصل الهمزة وإسكان الباء الموحدة وتشديد الراء ومعناه‏:‏ انتصف؛ وقوله تهوّرَ‏:‏ أي ذهب معظمه؛ وانجفل بالجيم‏:‏ سقط؛ ودعَّمته‏:‏ أسندته‏.‏
3/806 وروينا في كتاب الترمذي، عن أُسامةَ بن زيد رضي اللّه عنهما، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ صُنِعَ إِلَيْه مَعْرُوفٌ فَقالَ لِفاعِلِهِ‏:‏ جَزَاك اللَّهُ خَيْراً، فَقَدْ أبْلَغَ في الثَّناء‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏
4/807 وروينا في سنن النسائي وابن ماجه وكتاب ابن السني، عن عبد اللّه بن أبي ربيعة الصحابي رضي اللّه عنه قال‏:‏ استقرضَ النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم منِّيَ أربعين ألفاً، فجاءَه مال فدفعَه إليَّ وقال‏:‏ ‏"‏بارَكَ اللَّهُ لَكَ في أهْلِكَ ومَالِكَ، إنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الحَمْدُ والأداءُ‏"‏‏.‏
5/808 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن جرير بن عبد اللّه البَجَليّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ كان في الجاهلية بيتٌ لخثعمَ يُقال له الكعبة اليمانية، ويُقال له ذو الخَلَصة، فقال لي رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏هَلْ أنْتَ مُرِيحِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ‏؟‏‏"‏ فنفرتُ إليه في مئة وخمسين فارساً من أحمس فكسَّرْنَا وقتلنَا مَن وجدنا عنده، فأتيناه فأخبرناه، فدعا لنا ولأحمس‏.‏ وفي رواية‏:‏ فبرَّك رسُول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على خيلِ أحمس ورجالها خمسَ مرّات‏.
6/809 وروينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما؛ أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتى زمزمَ وهم يَسقون ويَعملون فيها، فقال‏:‏ ‏"‏اعْمَلُوا فإنَّكُمْ على عَمَلٍ صَالِحٍ‏"‏‏.‏
 بابُ استحبابِ مُكافأةِ المُهْدي بالدعاءِ للمُهْدَى له إذا دَعا له عندَ الهدية
1/810 روينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي اللّه عنها قالتْ‏:‏ أَهديتُ لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شاةٌ قال‏:‏ ‏"‏اقْسِمِيها‏"‏ فكانت عائشةُ إذا رجعتِ الخادمُ تقولُ‏:‏ ما قالُوا‏؟‏ تقولُ الخادمُ‏:‏ قالوا‏:‏ باركَ اللّه فيكم، فتقول عائشة‏:‏ وفيهم بارك اللّه، نردُّ عليهم مثلَ ما قالوا، ويَبقى أجرُنا لنا‏.‏ (32)
 بابُ اسْتحبابِ اعتذارِ مَن أُهديتْ إليه هديّةٌ فردَّها لمعنى شرعي بأن يكون قاضياً أو والياً أو كان فيها شُبهة أو كان له عذرٌ غير ذلك
1/811 روينا في صحيح مسلم، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما؛ أن الصَّعْبَ بن جَثَّامةَ رضي اللّه عنه أهدى إلى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم حمارَ وحْشٍ وهو مُحْرِمٌ، فردََّه عليه وقال‏:‏ ‏"‏لَوْلا أنّا مُحْرِمُونَ لَقَبِلْنا مِنْكَ‏"(33)‏قلت‏:‏ جَثّامة بفتح الجيم وتشديد الثاء المثلثة‏.‏
 بابُ ما يقولُ لمن أزالَ عنه أذىً
1/812 روينا في كتاب ابن السني، عن سعيد بن المسيب، عن أبي أيَوبَ الأنصاري رضي اللّه عنه؛ أنه تناول من لحيةِ رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أذىً، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَسَحَ اللَّهُ عَنْكَ يا أبا أَيوبَ‏!‏ ما تَكْرَهُ‏"‏ وفي رواية عن سعد؛ أنَّ أبا أيوب أخذ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شيئاً، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يَكُنْ بِكَ السُّوءُ يا أبا أَيُّوبَ، لا يَكُنْ بِكَ السُّوءُ‏"‏‏.‏(34)
2/813 وروينا فيه، عن عبد اللّه بن بكر الباهلي قال‏:‏ أخذَ عمرُ رضي اللّه عنه من لحية رجلٍ أو رأسه شيئاً، فقال الرجلُ‏:‏ صرفَ اللّه عنك السوء، فقال عمر رضي اللّه عنه‏:‏ صُرفَ عنّا السوءُ منذ أسلمنا، ولكن إذا أُخذ عنك شيء فقل‏:‏ أخذتْ يداك خيراً‏.‏ (35)
 بابُ ما يقولُ إذا رَأى البَاكُورة مِن الثمر
1/814 روينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏ كانَ النَّاسُ إذا رأوْا أوّل الثمر جاؤوا به إلى رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإذا أخذَه رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا في ثَمَرِنا، وبَارِكْ لَنا في مَدِينَتِنا، وبَارِكْ لَنا في صَاعِنا، وبَارِكْ لَنا في مُدّنا، ثم يدعُو أصغرَ وليدٍ له فيُعطيه ذلك الثمرَ‏"‏ وفي رواية لمسلم أيضاً ‏"‏بَرَكَةً مع بركة، ثُم يعطيه أصغر من يَحضُره من الولدان‏"‏ وفي رواية الترمذي ‏"‏أصغرَ وليدٍ يراهُ‏"‏ وفي رواية لابن السني، عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه‏:‏ رأيتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، إذا أُتي بباكورةٍ وضعَها على عينيه ثم على شفتيه وقال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ كمَا أريْتَنا أوّلَهُ فأرِنا آخِرَهُ‏"‏ ثم يُعطيه مَنْ يكونُ عندَه من الصبيان‏.‏ (36)
 بابُ استحبابِ الاقتصَادِ في الموعظة والعلم
اعلم أنه يُستحبّ لمن وعظَ جماعةً أو ألقى عليهم عِلْماً أن يقتصدَ في ذلك ولا يُطوِّل تطويلاً يُمِلُّهم، لئلا يَضجروا وتذهبَ حلاوتُه وجلالتُه من قلوبهم، ولئلا يَكْرَهُوا العلمَ وسماعَ الخير فيقعُوا في المحذور‏.‏
1/815 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن شقيق بن سلمة قال‏:‏ كان ابنُ مسعودٍ يُذكِّرنا في كل خميس، فقال له رجل‏:‏ يا أبا عبد الرحمن‏!‏ لوددتُ أنك ذكّرتَنا كل يوم، فقال‏:‏ أما إنه يمنعني من ذلك أنّي أكره أنْ أُمِلَّكم، وإني أتخوَّلكم بالموعظة كما كان رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتخوّلنا بها مخافةَ السآمة علينا‏.‏ ‏(37)
2/816 وروينا في صحيح مسلم، عن عمّار بن ياسر رضي اللّه عنهما قال‏:‏ سمعتُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إن طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فأطِيلوا الصَّلاةَ واقْصِرُوا الخُطْبَةَ‏"‏‏.‏(38)
قلتُ‏:‏ مئنّة، بميم مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة‏:‏ أي علامة دالّة على فقهه‏.‏
وروينا عن ابن شهابٍ الزهريّ رحمه اللّه قال‏:‏ إذا طالَ المَجلسُ كانَ للشيطان فيه نصيب‏.‏
 بابُ فَضْل الدِّلاَلةِ على الخير والحَثِّ عليها
قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَتَعاونُوا على البِرّ والتَّقْوَى‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏2‏]‏‏.‏
1/817 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛ أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَن دَعا إلى هُدىً كانَ لهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعا إلى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ آثامِهِمْ شَيْئاً‏"‏‏.‏‏(39)
2/818 وروينا في صحيح مسلم أيضاً، عن أبي مسعود الأنصاري البدريّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ دَلَّ على خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أجْرِ فاعِلِهِ‏"‏‏.‏‏(40)
3/819 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سهل بن سعدٍ رضي اللّه عنه؛ أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لعليّ رضي اللّه عنه‏:‏ ‏"‏فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ‏"‏‏.‏‏(41)
وروينا في الصحيح قوله صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏واللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أخِيهِ‏"‏ (42)‏ والأحاديث في هذا الباب كثيرة في الصحيح مشهورة‏.‏
 بابُ حثِّ مَنْ سُئلَ علماً لا يعلمُه ويعلمُ أنَّ غيرَه يعرفُه على أن يَدُلَّ عليه
فيه الأحاديث الصحيحة المتقدمةُ في الباب قبلَه، وفيه حديث ‏"‏الدين النصيحة‏"‏ (43) وهذا من النصيحة‏.‏
1/820 روينا في صحيح مسلم، عن شُريحِ بن هانىءٍ قال‏:‏ أتيتُ عائشةَ رضي اللّه عنها أسألُها عن المسح على الخفّين، فقالتْ‏:‏ عليكَ بعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه فاسألْه، فإنه كان يُسافر مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فسألناه‏.‏ وذكر الحديث‏.‏
2/821 وروينا في صحيح مسلم، الحديث الطويل في قصة سعد بن هشام بن عامر لما أرادَ أن يسأل عن وترِ رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأتى ابنَ عباس يسألُه عن ذلك، فقال ابن عباس‏:‏ ألا أدلُّكَ على أعلمِ أهلِ الأرض بوتر رسول اللّه عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ مَن‏؟‏ قال‏:‏ عائشة فأْتِها فاسألها‏.‏ وذكر الحديث‏.‏ (44)
3/822 وروينا في صحيح البخاري، عن عمران بن حِطَّانَ، قال‏:‏ سألتُ عائشةَ رضي اللّه عنها عن الحرير فقالتْ‏:‏ ائتِ ابنَ عباسٍ فاسألْه، فسألتُه، فقال‏:‏ سلِ ابنَ عمر، فسألتُ ابنَ عمر، فقال‏:‏ أخبرني أبو حفص‏:‏ يعني عمرَ بن الخطاب رضي اللّه عنه؛ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إِنَّمَا يَلْبَسُ الحَرِيرَ في الدُّنْيا مَنْ لا خَلاقَ لَهُ في الآخِرَةِ‏"‏‏.‏‏(45)
قلتُ‏:‏ لا خلاق‏:‏ أي لا نصيبَ‏.‏ والأحاديث الصحيحة بنحو هذا كثيرة مشهورة‏.‏
 بابُ ما يَقولُ مَن دُعي إلى حُكْمِ اللَّهِ تعالى
ينبغي لمن قال له غيرُه‏:‏ بيني وبينَك كتاب اللّه أو سنّة رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أو أقوال علماء المسلمين، أو نحو ذلك، أو قال‏:‏ اذهبْ معي إلى حاكم المسلمين، أو المفتي لفصلِ الخصومةِ التي بيننا، وما أشبَه ذلك، أن يقولَ‏:‏ سمعنا وأطعنا، أو سمعاً وطاعةً، أو نعم وكرامة، أو شبه ذلك، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا كانَ قَوْلَ المُؤْمِنينَ إذَا دُعُوا إلى اللّه وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وأطَعْنا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏51‏]‏‏.‏
 فصل ‏:‏ينبغي لمن خاصمَه غيرُه أو نازعَه في أمر فقال له‏:‏ اتّقِ اللَّهَ تعالى، أو خَفِ اللَّهَ تعالى، أو راقبِ اللَّهَ، أو اعلم أنَّ اللّه تعالى مطّلعٌ عليك، أو اعلم أنَّ ما تقوله يُكتب عليك وتُحاسبُ عليه، أو قال له‏:‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ تَجدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 30‏]‏ أو ‏{‏اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللّه‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏281‏]‏ أو نحو ذلك من الآيات، وما أشبه ذلك من الألفاظ؛ أن يتأدَّبَ ويقول‏:‏ سمعاً وطاعةً، أو أسألُ اللّه التوفيقَ لذلك، أو أسألُ اللّه الكريمَ لطفه، ثم يتلطَّفُ في مخاطبة مَن قال له ذلك، وليحذرْ كلَّ الحذرِ من تساهلهِ عند ذلك في عبارته، فإن كثيراً من الناس يتكلمون عند ذلك بما لا يَليق، وربما تكلَّم بعضُهم بما يكون كفراً، وكذلك ينبغي إذا قال له صاحبه‏:‏ هذا الذي فعلتَه خلاف حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو نحو ذلك، أن لا يقول‏:‏ لا ألتزمُ الحديثَ، أو لا أعملُ بالحديث، أو نحو ذلك من العبارات المستبشعة؛ وإن كان الحديثُ متروكَ الظاهر لتخصيص أو تأويلٍ أو نحو ذلك، بل يقول عند ذلك‏:‏ هذا الحديثُ مخصوصٌ أو متأوّلٌ أو متروكُ الظاهر بالإِجماع، وشبه ذلك‏.‏ 
اقرأ بعده ........

كتاب الأذكار المتفرّقة.إذا سمع صِياحَ الدِّيكِ ونهيقَ الحِمار ونُباحَ الكَلْبِ. ما يَقولُ إذا رأى الحريق.ما يقولُه عندَ القِيام مِنَ المجلسِ. دُعاءِ الجَالسِ في جمعٍ لنفسِه ومَنْ مَعَه.كَراهةِ القِيَام مِن المجلسِ قبلَ أنْ يذكرَ اللّه تعالى.الذِّكْرِ في الطَّرِيْقما يقولُ إذا غَضِبَ


 كتاب الأذكار المتفرّقة
اعلم أن هذا الكتاب أنثرُ فيه إن شاء اللّه تعالى أبواباً متفرّقة من الأذكار والدعواتِ يعظم الانتفاعُ بها إن شاء اللّه تعالى، وليس لها ضابطٌ نلتزمُ ترتيبها بسببه، واللّه الموفّق‏.‏
 بابُ استحباب حمد اللّه تعالى والثناء عليه عندَ البِشارةِ بما يَسُرُّه
اعلم أنه يُستحبّ لمن تجدّدتْ له نعمةٌ ظاهرة، أو اندفعتْ عنه نقمةٌ ظاهرة أن يسجد شكراً للّه تعالى، وأن يحمدَ اللّه تعالى أو يثني عليه بما هو أهله، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة مشهورة‏.‏
1/754 روينا في صحيح البخاري، عن عمرو بن ميمون في مقتل عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في حديث الشورى الطويل؛
أن عمر رضيَ اللّه عنه أرسلَ ابنه عبد اللّه إلى عائشة رضي اللّه عنها يستأذنُها أن يُدفن مع صاحبيه، فلما أقبلَ عبدُ اللّه قال عمر‏:‏ ما لديك‏؟‏ قال‏:‏ الذي تُحبُّ يا أميرَ المؤمنين، أذِنَتْ، قال‏:‏ الحمدُ للّه ما كان شيءٌ أهمَّ إليّ من ذلك‏.‏‏(1)
 بابُ ما يقولُ إذا سمع صِياحَ الدِّيكِ ونهيقَ الحِمار ونُباحَ الكَلْبِ
1/755 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرةَ رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذَا سَمِعْتُمْ نُهَاقَ الحَمِيرِ فَتَعَوَّذُوا باللّه مِنَ الشَّيْطانِ، فإنَّهَا رأتْ شَيْطاناً؛ وَإذا سَمِعْتُمْ صِياحَ الدّيَكَةِ فاسْأَلُوا اللّه مِنْ فَضْلِهِ فإنَّها رأتْ مَلَكاً‏"‏‏.‏ (2)
2/756 وروينا في سنن أبي داود، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏‏"‏إذَا سَمِعْتُمْ نُباحَ الكِلابِ وَنَهِيقَ الحَمِيرِ باللَّيْلِ فَتَعَوَّذُوا باللَّهِ، فإنَّهُنَّ يَرَيْنَ ما لا تَرَوْنَ‏"‏‏.‏(3)
 بابُ ما يَقولُ إذا رأى الحريق
1/757 روينا في كتاب ابن السني، عن عمرو بن شُعيب، عن أبيه عن جدّه رضي اللّه عنه قال‏:‏
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِذَا رأيْتُمُ الحَرِيقَ فَكَبِّرُوا، فَإِنَّ التَّكْبِيرَ يُطْفئُهُ‏"‏‏.‏(4)
ويُستحبّ أن يدعوَ مع ذلك بدعاء الكرْب وغيره مما قدَّمناه في كتاب الأذكار للأمور العارضات وعند العاهات والآفات‏.‏
 بابُ ما يقولُه عندَ القِيام مِنَ المجلسِ
1/758 روينا في كتاب الترمذي وغيره، عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لغَطُهُ فَقالَ قَبْلَ أنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذلكَ‏:‏ سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ ما كَانَ في مَجْلِسِهِ ذلكَ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ (5)
2/759 وروينا في سنن أبي داود وغيره، عن أبي برزةَ رضي اللّه عنه ـ واسمه نضلة ـ قال‏:‏ كان رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول بأخَرَةٍ إذا أراد أن يقوم من المجلس‏:‏ سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ، فقال رجل‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ إنك لتقول قولاً ما كنتَ تقولُه فيما مضى، قال‏:‏ ذلكَ كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ في المَجْلِسِ‏"‏ ورواه الحاكم في المستدرك من رواية عائشة رضي اللّه عنها وقال‏:‏ صحيح الإِسناد‏.‏ قلت‏:‏ قوله بأَخَرة، وهو بهمزة مقصورة مفتوحة وبفتح الخاء، ومعناه‏:‏ في آخر الأمر‏.‏ ‏(6)
3/760 وروينا في حلية الأولياء، عن عليّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ مَن أحبّ أن يكتالَ بالمكيال الأوفى فليقلْ في آخر مجلسه أو حين يقول‏:‏ سبحانَ ربِّك ربّ العزّة عمّا يَصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ للّه رب العالمين‏.‏ ‏(7)
 بابُ دُعاءِ الجَالسِ في جمعٍ لنفسِه ومَنْ مَعَه
1/761 روينا في كتاب الترمذي، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، قال‏:‏ قلَّما كانَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقومُ من مجلس حتى يدعوَ بهؤلاء الدعوات لأصحابه‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ ما يَحُولُ بَيْنَنا وبَيْنَ مَعاصِيكَ، وَمِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقين ما تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنا مَصَائبَ الدُّنْيا؛ اللَّهُمَّ مَتِّعْنا بأسْماعنا وأبْصَارِنا وَقُوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا، واجْعَلْهُ الوَارِثَ منَّا، وَاجْعَلْ ثأْرنا على مَنْ ظَلَمَنا، وانْصُرْنا على مَنْ عادَانا وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنا في دِينِنا، وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيا أكْبَرَ هَمِّنا وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنا، وَلا تُسَلِّط عَلَيْنا مَنْ لا يَرْحمُنا‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (8)
 بابُ كَراهةِ القِيَام مِن المجلسِ قبلَ أنْ يذكرَ اللّه تعالى
1/762 روينا بالإِسناد الصحيح في سنن أبي داود وغيره، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلسٍ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعالى فِيهِ إِلاَّ قامُوا عَنْ مثْلِ جِيفَةِ حِمارٍ وكانَ لَهُمْ حَسْرَةً‏"‏‏.‏‏(9)
3/763 وروينا فيه، عن أبي هريرة أيضاً، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ قَعَدَ مَقْعَداً لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعالى فِيهِ كانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ، وَمَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعاً لا يَذْكُرُ اللَّهَ تَعالى فيهِ كانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللّه تِرَةٌ‏"‏
(10)‏قلت‏:‏ تِرَة بكسر التاء وتخفيف الراء، ومعناه‏:‏ نقص، وقيل تبعة؛ ويجوز أن يكون حسرة كما في الرواية الأخرى‏.‏
3/764 وروينا في كتاب الترمذي، عن أبي هريرة أيضاً، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ما جَلَس قَوْمٌ مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعالى فِيهِ ولَمْ يُصَلُّوا على نَبِيِّهمْ فِيهِ إِلاَّ كانَ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ، فإنْ شاءَ عَذبهُمْ، وَإنْ شاءَ غَفَرَ لَهُم‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏
 بابُ الذِّكْرِ في الطَّرِيْق
1/765 روينا في كتاب ابن السني، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ما مِنْ قَوْمٍ جَلَسُوا مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ إِلاَّ كانَتْ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ، ومَا سَلَكَ رَجُلٌ طَرِيقاً لمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيه إِلاَّ كانَتْ عَلَيْهِ تِرةٌ‏"‏‏.‏‏(12)
2/766 وروينا في كتاب ابن السني ودلائل النبوّة للبيهقي، عن أبي أُمامةَ الباهلي رضي اللّه عنه قال‏:‏ أتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم جبريلُ صلى اللّه عليه وسلم وهو بتبوك فقال‏:‏ ‏"‏يا مُحَمَّدُ‏!‏ اشْهَدْ جَنازَةَ مُعاوِيَةَ بْنِ مُعاوِيَةَ المُزَنِيّ، فخرجَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ونزلَ جبريلُ عليه السلام في سبعين ألفاً من الملائكة، فوضعَ جناحَه الأيمن على الجبال فتواضعتْ ووضع جناحَه الأيسر على الأرضين فتواضعت، حتى نظرَ إلى مكة والمدينة، فصلَّى عليه رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم وجبريلُ والملائكةُ عليهم السلام؛ فلما فرغ قال‏:‏ يا جبْرِيل‏!‏ بِمَ بَلَغَ مُعاوِيَةُ هَذِهِ المَنْزِلَةَ‏؟‏ قال‏:‏ بِقِرَاءَتِه‏:‏ قُلْ هُوَ اللّه أحَدٌ قائماً وَرَاكباً ومَاشياً‏"‏‏.‏
 بابُ ما يقولُ إذا غَضِبَ
1/767 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ليسَ الشديدُ بالصّرعَةِ، إنما الشديدُ الذي يملكُ نفسَهُ عند الغضب‏"‏‏.‏(14)
2/768 وروينا في صحيح مسلم، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فيكُمْ‏؟‏ قلنا‏:‏ الذي لا تصرعُه الرجالُ، قال‏:‏ لَيْسَ بذلكَ، وَلَكِنَّهُ الَّذي يَمْلكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَب‏"(15)‏قلت‏:‏ الصُّرَعة بضم الصاد وفتح الراء، وأصله الذي يَصرعُ الناسَ كثيراً كالهُمزة واللُّمزة الذي يَهمزهم كثيراً‏.‏
3/769 وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه، عن معاذ بن أنس الجهني الصحابي رضي اللّه عنه
أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وَهُوَ قادِرٌ على أنْ يُنَفِّذَهُ دَعاهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى على رُؤوس الخَلائِقِ يَوْمَ القِيامَةِ حتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الحُورِ ما شاءَ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏
4/770 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سليمان بن صُرَد الصحابي رضي اللّه عنه قال‏:‏
كنتُ جالساً مع النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ورجلان يَسْتَبَّان، وأحدُهما قد احمرّ وجهُه وانتفختْ أوداجُه، فقال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إني لأعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ ما يَجدُ، لَوْ قالَ‏:‏ أعُوذُ باللّه مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجيمِ، ذَهَبَ مِنْهُ ما يَجِدُ‏"‏ فقالوا له‏:‏ إن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ تَعَوَّذْ باللّه منَ الشَّيْطانِ الرَّجِيم، فقال‏:‏ وهل بي من جنون‏؟‏
5/771 ورويناه في كتابي أبي داود والترمذي بمعناه، من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال الترمذي‏:‏ هذا مرسل‏.‏ يعني أن عبد الرحمن لم يُدْرك معاذاً‏.‏
6/772 وروينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ دخلَ عليّ النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم وأنا غَضْبى، فأخذَ بطرفِ المِفصل من أنفي فعركه ثم قال‏:‏ ‏"‏يا عُوَيْشُ قُولي‏:‏ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي وأذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِي، وأجِرْني مِنَ الشَّيْطانِ‏"‏‏.‏
7/773 وروينا في سنن أبي داود، عن عطيةَ بن عروةَ السعديّ الصحابي رضي اللّه عنه قال‏:‏
قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنَّ الغَضَبَ مِنَ الشَّيْطانِ، وَإِنَّ الشَّيْطانَ خُلق من النار ، وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ‏"(20)
 اقرا بعده ......