الثلاثاء، 16 سبتمبر 2014

استحباب إعلامِ الرَّجُلِ من يُحبُّه أنَّه يحبُّه، وما يقولُه له إذا أعلمَه. ما يقولُ إذا رَأى مُبتلى بمرضٍ أو غيرِه.ستحباب حمدِ اللّه تعالى للمسؤول عن حاله أو حال محبُوبه مع جوابه إذا كان في جوابه إخبارٌ بطيبِ حالِه.ما يقولُ إذا دخلَ السُّوقَ.استحباب قولِ الإِنسانِ لمن تزوَّجَ تزوّجاً مُستحباً، أو اشترى أو فعل فِعْلاً يَستحسنُه الشرعُ‏:‏ أصبتَ أو أحسنتَ ونحوه.ما يقولُ إذا نظرَ في المِرْآة.ما يَقولُ عندَ الحِجَامَة.ما يَقولُ إذا طَنَّتْ أُذُنه.ما يقولُه إذا خَدِرَتْ رِجْلُه.جَواز دُعاء الإِنسان على مَنْ ظَلَمَ المسلمين أو ظلَمه وحدَه. ما يَقولُ مَنْ كانَ في لسانِه فُحْشٌ.ما يَقولُه إذا عَثَرَتْ دَابّتُه.دُعاءِ الإِنسانِ لمن صَنَعَ معروفاً إليه أو إلى النَّاسِ كلِّهم أو بعضِهم، والثناءِ عليه وتحريضه على ذلك.استحبابِ مُكافأةِ المُهْدي بالدعاءِ للمُهْدَى له إذا دَعا له عندَ الهدية.اسْتحبابِ اعتذارِ مَن أُهديتْ إليه هديّةٌ فردَّها لمعنى شرعي بأن يكون قاضياً أو والياً أو كان فيها شُبهة أو كان له عذرٌ غير ذلك.ما يقولُ لمن أزالَ عنه أذىً.ما يقولُ إذا رَأى البَاكُورة مِن الثمر.استحبابِ الاقتصَادِ في الموعظة والعلم. فَضْل الدِّلاَلةِ على الخير والحَثِّ عليها. حثِّ مَنْ سُئلَ علماً لا يعلمُه ويعلمُ أنَّ غيرَه يعرفُه على أن يَدُلَّ عليه.ما يَقولُ مَن دُعي إلى حُكْمِ اللَّهِ تعالى.

بابُ استحباب إعلامِ الرَّجُلِ من يُحبُّه أنَّه يحبُّه، وما يقولُه له إذا أعلمَه
1/774 روينا في سنن أبي داود والترمذي، عن المقدام بن معد يكرب رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إِذَا أحَبَّ الرَّجُلُ أخاهُ فَلْيُخْبِرُهُ أنَّهُ يُحِبُّهُ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ (1)
2/775 وروينا في سنن أبي داود، عن أنس رضي اللّه عنه؛ أن رجلاً كان عندَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، فمرّ رجلٌ فقال‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ إني لأحبُّ هذا، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أعْلَمْتَهُ‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ ‏"‏أعْلِمْهُ‏"‏ فلحقه فقال‏:‏ إني أُحبك في اللّه، قال‏:‏ أحبَّك الذي أحببتني له‏.‏ (2)
4/777 وروينا في كتاب الترمذي، عن يزيدَ بن نعامة الضبيّ قال‏:‏ قالَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا آخَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَلْيَسْأَلْهُ عَنِ اسْمِهِ وَاسْمِ أبيه وَممّنْ هُوَ، فإنَّه أوْصَلُ لِلْمَوَدَّةِ‏"‏‏.‏
قال الترمذي‏:‏ حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال‏:‏ ولا نعلم ليزيدَ بن نعامة سماعاً من النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال‏:‏ ويُروى عن ابن عمر عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم نحو هذا، ولا يصحّ إسناده‏.‏ (3)
قلتُ‏:‏ وقد اخْتُلف في صحبة (4)‏ يزيدَ بن نعامة فقال عبد الرحمن بن أبي حاتم‏:‏ لا صحبةَ له، قال‏:‏ وحكى البخاري أن له صحبة، قال‏:‏ وغَلِطَ‏.‏
 بابُ ما يقولُ إذا رَأى مُبتلى بمرضٍ أو غيرِه
1/778 روينا في كتاب الترمذي، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ رأى مُبْتَلىً فَقالَ‏:‏ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي عافاني مِمَّا ابْتلاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً، لَمْ يُصِبْهُ ذلكَ البَلاءُ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (5)
2/779 وروينا في كتاب الترمذي، عن عمرَ بن الخطاب رضي اللّه عنه؛أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ رأى صَاحِبَ بَلاءٍ فَقالَ‏:‏ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي عافانِي مِمَّا ابْتَلاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفضِيلاً إِلاَّ عُوفِيَ مِنْ ذلكَ البَلاءِ كائِناً ما كانَ ما عاش‏"‏ ضعَّفَ الترمذي إسنادَه‏.‏ (6)
قلتُ‏:‏ قال العلماءُ من أصحابنا وغيرهم‏:‏ ينبغي أن يقولَ هذا الذكرَ سِرّاً بحيثُ يُسمعُ نفسَه ولا يُسمعُه المبتلى لئلا يتألَّمَ قلبُه بذلك، إلا أن تكون بليّتُه معصيةً فلا بأس أن يُسمعَه ذلك إن لم يخفْ من ذلك مفسدة، واللّه أعلم‏.‏
 بابُ استحباب حمدِ اللّه تعالى للمسؤول عن حاله أو حال محبُوبه مع جوابه إذا كان في جوابه إخبارٌ بطيبِ حالِه
1/780 روينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما؛ أن عليّاً رضيَ اللّه عنه خرجَ من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في وجعهِ الذي تُوفي فيه، فقال الناسُ‏:‏ يا أبا حسنٍ‏!‏ كيف أصبحَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏أصْبَحَ بِحَمْدِ اللّه تَعالى بارئاً‏"‏‏.‏‏(7)
 بابُ ما يقولُ إذا دخلَ السُّوقَ
1/781 روينا في كتاب الترمذي وغيره، عن عمرَ بن الخطاب رضي اللّه عنه؛ أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فقالَ‏:‏ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيِي ويُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏:‏ كَتبَ اللَّهُ لَهُ ألْفَ ألْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ ألْفَ ألْفِ سَيِّئْةٍ، وَرَفَعَ لَهُ ألْفَ ألْفِ دَرَجَة‏"‏ (8)‏رواه الحاكم أبو عبد اللّه في المستدرك على الصحيحين من طرق كثيرة، وزاد فيه في بعض طرقه ‏"‏وَبَنى لَهُ بَيْتاً في الجَنَّةِ‏"‏ وفيه من الزيادة‏:‏ قال الراوي‏:‏ فقدمتُ خراسان، فأتيتُ قُتَيبةَ بن مسلم فقلتُ‏:‏ أتيتكَ بهدية فحدّثته بالحديث، فكان قتيبةُ بن مُسلم يركبُ في موكبه حتى يأتيَ السوقَ فيقولُها ثم ينصرف‏.‏ ورواه الحاكم أيضاً من رواية ابن عمر عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال الحاكم‏:‏ وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وبُريدة الأسلمي وأنس، قال‏:‏ وأقربُها من شرائط هذا الكتاب حديث بُريدة (9)‏ بغير هذا اللفظ، فرواه بإسناده عن بُريدة قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دخل السوق قال‏:‏ ‏"‏باسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ خَيْرَ هَذِهِ السّوقِ وَخَيْرَ ما فِيها، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرّ ما فِيهَا؛ اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ أنْ أُصِيبَ فِيها يَمِيناً فاجِرَةً، أوْ صَفْقَةً خاسِرَةً‏"‏‏.‏
 بابُ استحباب قولِ الإِنسانِ لمن تزوَّجَ تزوّجاً مُستحباً، أو اشترى أو فعل فِعْلاً يَستحسنُه الشرعُ‏:‏ أصبتَ أو أحسنتَ ونحوه
1/782 روينا في صحيح مسلم، عن جابر رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏تَزَوَّجْتَ يا جابِرُ‏؟‏‏!‏ قلت‏:‏ نَعم، قال‏:‏ بِكْراً أَمْ ثَيِّباً‏؟‏ قلتُ‏:‏ ثيّباً يا رسول اللّه‏!‏ قال‏:‏ فهَلاّ جارِيَةً تُلاعِبُها وَتُلاعِبُكَ‏؟‏‏"‏ أو قال‏:‏ ‏"‏تُضَاحِكُهَا وتُضَاحِكُكَ‏"‏‏.‏ قلت‏:‏ إن عبد اللّه ـ يعني أباه ـ تُوفي وتركَ تسعَ بناتٍ - أو سبعا ً- وإني كرهتُ أن أجيئهنّ بمثلهنّ، فأحببتُ أنْ أجيءَ بامرأةٍ تقومُ عليهنّ وتُصْلِحُهنّ، قال‏:‏ ‏"‏أصَبْتَ‏"‏ وذكر الحديث‏.‏ ‏(10)
 بابُ ما يقولُ إذا نظرَ في المِرْآة
1/783 روينا في كتاب ابن السني، عن عليّ رضي اللّه عنه؛ أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا نظر في المرآة قال‏:‏ ‏"‏الحَمْد لِلَّهِ، اللَّهُمَّ كما حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي‏"‏‏.‏(11)
ورويناه فيه، من رواية ابن عباس بزيادة‏.‏
2/784 ورويناه فيه، من رواية أنس قال‏:‏ كان رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا نظرَ وجهَه في المرآةِ قال‏:‏ ‏"‏الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي سَوَّى خَلْقي فَعَدَّلَهُ، وَكَرَّمَ صُورَةَ وَجْهِي فَحَسَّنَها، وَجَعَلَني مِنَ المُسْلِمينَ‏"‏‏.‏(12)
 بابُ ما يَقولُ عندَ الحِجَامَة
1/785 روينا في كتاب ابن السني، عن عليّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ قَرأ آيَة الكُرْسِيِّ عِنْدَ الحِجامَةِ كانَتْ مَنْفَعَةَ حِجامَتِهِ‏"‏‏.‏‏(13)
 بابُ ما يَقولُ إذا طَنَّتْ أُذُنه
1/786 روينا في كتاب ابن السني، عن أبي رافع رضي اللّه عنه مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا طَنَّتْ أُذُنُ أحَدِكُمْ فَلْيَذْكُرْنِي وَليُصَلّ عَليَّ ولْيَقُلْ‏:‏ ذَكَرَ اللَّهُ بِخَيْرٍ مَنْ ذَكَرَنِي‏"‏‏.‏‏(14)
 بابُ ما يقولُه إذا خَدِرَتْ رِجْلُه
1/787 روينا في كتاب ابن السني عن الهيثم بن حنش قال‏:‏ كنَّا عندَ عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما فخدِرَتْ رجلُه، فقال له رجل‏:‏ اذكر أحبَّ الناس إليك، فقال‏:‏ يا محمّدُ صلى اللّه عليه وسلم، فكأنما نُشِطَ من عِقَال‏.‏ (15)
2/788 وروينا فيه، عن مُجاهد قال‏:‏ خَدِرَتْ رِجلُ رجلٍ عند ابن عباس، فقال ابنُ عباس رضي اللّه عنهما‏:‏ اذكر أحبَّ الناس إليك، فقال‏:‏ محمّدٌ صلى اللّه عليه وسلم فذهبَ خَدَرُه‏.‏ (16)
وروينا فيه ‏(17) ، عن إبراهيم بن المنذر الحزامي أحدِ شيوخ البخاري الذين روى عنهم في صحيحه قال‏:‏ أهلُ المدينة يَعجبون من حُسن بيت أبي العتاهية‏:‏
وتَخْدَرُ في بعضِ الأحايينِ رِجْلُهُ * فإنْ لم يَقلْ يا عُتْب لم يذهبِ الخَدَرْ
 بابُ جَواز دُعاء الإِنسان على مَنْ ظَلَمَ المسلمين أو ظلَمه وحدَه
اعلم أن هذا الباب واسعٌ جداً، وقد تظاهرَ على جوازه نصوصُ الكتاب والسنّة، وأفعالُ سلف الأمة وخلفها، وقد أخبرَ اللّه سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة معلومة من القرآن عن الأنبياء صلواتُ اللّه وسلامُه عليهم بدعائهم على الكفّار‏.‏
1/789 روينا في صحيح البخاري ومسلم، عن عليّ رضي اللّه عنه‏:‏ أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال يوم الأحزاب‏:‏ ‏"‏مَلأَ اللَّه قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ ناراً كما شَغَلُونا عَنِ الصَّلاةِ الوُسْطَى‏"‏‏.‏‏(18)
2/790 وروينا في الصحيحين، من طرق‏:‏ أنه صلى اللّه عليه وسلم دعا على الذين قَتلوا القرَّاءَ رضي اللّه عنهم، وأدامَ الدعاءَ عليهم شهراً يقولُ‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ الْعَنْ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ‏"‏‏.‏‏(19)
3/791 وروينا في صحيحيهما، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه في حديثه الطويل ،في قصة أبي جهلٍ وأصحابه من قريش حين وَضَعُوا سَلاَ الجزور على ظهر النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، فدعا عليهم وكان إذا دعا، دعا ثلاثاً ثم قال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ‏"‏ ثلاثَ مرّاتٍ، ثم قال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ عليكَ بأبي جَهْلٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبيعَةَ‏"‏ وذكر تمام السبعة، وتمام الحديث‏.‏ (20)
4/792 وروينا في صحيحيهما، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنَّ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يدعو‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطأتَكَ على مُضَرَ؛ اللَّهُمَّ اجْعَلْها عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنيِّ يُوسُفَ‏"‏‏.‏(21)
5/793 وروينا في صحيح مسلم، عن سلمةَ بن الأكوع رضي اللّه عنه‏:‏ أن رجلاً أكل بشماله عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏كُلْ بِيَمِينِكَ‏"‏ قال‏:‏ لا أستطيع، قال‏:‏ ‏"‏لا اسْتَطَعْتَ‏"‏ ما منَعه إلا الكبرُ، قال‏:‏ فما رفعَها إلى فِيْه‏.‏ (22)
قلتُ‏:‏ هذا الرجل هو بُسر ـ بضم الباء وبالسين المهملة ـ ابن راعي العير الأشجعي، صحابي، ففيه جواز الدعاء على مَن خالف الحكم الشرعي‏.‏
6/794 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن جابر بن سمرة قال‏:‏ شكا أهلُ الكوفة سعدَ بن أبي وقاص رضي اللّه عنه إلى عمر رضي اللّه عنه، فعزلَه واستعملَ عليهم‏.‏‏.‏ وذكرَ الحديثَ إلى أن قال‏:‏ أرسل معه عمر رجالاً أو رجلاً إلى الكوفة يسألُ عنه، فلم يدعْ مسجداً إلا سألَ عنه ويُثنون معروفاً، حتى دخل مسجداً لبني عَبْسٍ، فقامَ رجلٌ منهم يُقال له أُسامة بن قتادة، يُكَنَّى أبا سعدة فقال‏:‏ أما إذا نشدتنا فإن سعداً لا يسيرُ بالسريّة، ولا يَقسِمُ بالسويّة، ولا يَعدِلُ في القضية‏.‏ قال سعد‏:‏ أما واللّه لأدعونّ بثلاث‏:‏ اللهمّ إن كان عبدُك هذا كاذباً قام رياءً وسمعةً فأطلْ عمرَه، وأطلْ فقرَه، وعرّضْه للفتن‏.‏ فكانَ بعد ذلك يقول‏:‏ شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد‏.‏ قال عبد الملك بن عُمير الراوي، عن جابر بن سمرة‏:‏ فأنا رأيتُه بعدُ قد سقطَ حاجباه على عينيه من الكِبَر، وإنه ليتعرّضُ للجواري في الطرق فيغمزُهنّ‏.‏ ‏(23)
7/795 وروينا في صحيحيهما، عن عروة بن الزبير؛ أن سعيدَ بن زيد رضي اللّه عنهما خاصمْتُه أروى بنتُ أوْس ـ وقيل‏:‏ أُويس ـ إلى مروان بن الحكم، وادّعتْ أنه أخذ شيئاً من أرضها، فقال سعيد رضي اللّه عنه‏:‏ أنا كنتُ آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعتُ من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ ما سمعتَ من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏مَنْ أخَذَ شبْراً مِنَ الأرْضِ ظُلْماً طُوِّقَهُ إلى سَبْعِ أرَضِينَ‏"‏ قال مروان‏:‏ لا أسألُك بيِّنةً بعد هذا، فقال سعيد‏:‏ اللهمّ إن كانت كاذبة فأعم بصرها واقتلْها في أرضها، قال‏:‏ فما ماتتْ حتى ذهبَ بصرُها، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعتْ في حفرة فماتت‏.‏ ‏(24)
 بابُ التبرّي مِنْ أَهلِ البدعِ والمَعاصي
1/796 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي بُردة بن أبي موسى قال‏:‏ وجع أبو موسى رضي اللّه عنه وجعاً، فغُشي عليه ورأسُه في حِجر امرأة من أهله، فصاحت امرأةٌ من أهله فلم يستطعْ أن يردَّ شيئاً، فلما أفاق قال‏:‏ أنا بريءٌ ممّن برىء منه رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم برىءَ من الصَّالقةِ والحَالقةِ والشَّاقةِ‏.‏ قلت‏:‏ الصَّالقةُ‏:‏ الصائحة بصوت شديد؛ والحالقةُ‏:‏ التي تحلق رأسَها عند المصيبة؛ والشَّاقةُ‏:‏ التي تشقُّ ثيابَها عند المصيبة‏.‏ (25)
2/797 وروينا في صحيح مسلم، عن يحيى بن يَعمر قال‏:‏ قلتُ لابن عمر رضي اللّه عنهما‏:‏ أبا عبد الرحمن‏!‏ إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرأون القرآن ويزعمون أن لا قَدَر، وأنّ الأمرَ أُنُفٌ، فقال‏:‏ إذا لقيت أولئك فأخبرهم أنّي بريءٌ منهم وأنهم بَرآءُ مني (26)‏قلت‏:‏ أُنُف بضمّ الهمزة والنون‏:‏ أي مُستأنف لم يتقدّم به علم ولا قدر، وكذب أهل الضلالة، بل سبق علم اللّه تعالى بجميع المخلوقات‏.‏
 بابُ ما يقولُه إذا شرعَ في إزالةِ مُنكر
1/798 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال‏:‏ دخل النبيّ صلى اللّه عليه وسلم مكة يوم الفتح، وحول الكعبة ثلاثمائةٍ وستون نُصُباً، فجعلَ يطعنُها بعود كان في يده، ويقول‏:‏ ‏"‏جاءَ الحَقُّ، وَزَهَقَ الباطلُ، إنّ الباطِلَ كانَ زَهُوقاً جاءَ الحَقُّ وَما يُبْدِىءُ الباطِلُ وما يُعِيدُ‏"‏‏.‏(27)
 بابُ ما يَقولُ مَنْ كانَ في لسانِه فُحْشٌ
1/799 روينا في كتابي ابن ماجه وابن السني، عن حُذيفةَ رضي اللّه عنه قال‏:‏ شكوتُ إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذَرَبَ لساني، فقال‏:‏ ‏"‏أيْنَ أنْتَ مِنَ الاسْتِغْفارِ‏؟‏ إني لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةِ‏"‏‏.‏‏(28)
قلتُ‏:‏ الذََْب بفتح الذال المعجمة والراء، قال أبو زيد وغيره من أهل اللغة‏:‏ هو فُحش اللسان‏.‏
 بابُ ما يَقولُه إذا عَثَرَتْ دَابّتُه
1/800 روينا في سنن أبي داود، عن أبي المليح التابعي المشهور عن رجل قال‏:‏ كنتُ رديفَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، فعثرت دابّته فقلتُ‏:‏ تَعِسَ الشيطان، فقال‏:‏ ‏"‏لا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطانُ، فإنَّكَ إذَا قُلْتَ ذلكَ تَعاظَمَ حتَّى يَكُونَ مِثْلَ البَيْتِ، وَيَقُولُ‏:‏ بِقُوَّتِي، وَلَكِنْ قُلْ‏:‏ باسْمِ اللَّهِ، فإنَّكَ إذَا قُلْتَ ذلك تَصَاغَرَ حتى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبابِ‏"‏ قلتُ‏:‏ هكذا رواه أبو داود عن أبي المليح عن رجل هو رَديف النبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏.‏
2/801 ورويناه في كتاب ابن السني، عن أبي المليح عن أبيه، وأبوه صحابي اسمه أُسامة على الصحيح المشهور، وقيل فيه أقوال أُخَر‏.‏
وكِلا الروايتين صحيحة متصلة، فإن الرجل المجهول في رواية أبي داود صحابي، والصحابة رضي اللّه عنهم كلُّهم عدولٌ لا تضرُّ الجَهَالةُ بأعيانهم‏.‏ وأما قوله تَعَس، فقيل معناه‏:‏ هلك، وقيل سقط، وقيل عثر، وقيل لزمه الشرّ، وهو بكسر العين وفتحها، والفتح أشهر، ولم يذكر الجوهري في صِحاحه غيره‏.‏ (29)
 بابُ بيانِ أنه يُستحبُّ لكبير البلد إذا مات الوالي أن يخطب الناس يُسكِّنهم ويعظُهم ويأمُرهم بالصبرِ والثباتِ على ما كانُوا عليه
1/802 روينا في الحديث المشهور في خطبة أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه يوم وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وسلم وقوله رضي اللّه عنه‏:‏ مَنْ كان يعبدُ محمّداً، فإنَّ محمّداً قد ماتَ، ومَنْ كانَ يعبدُ اللّه، فإنَّ اللَّه حيٌّ لا يموت‏.‏ (30)
2/803 وروينا في الصحيحين، عن جرير بن عبد اللّه أنه يوم ماتَ المغيرةُ بن شعبة وكان أميراً على البصرة والكوفة، قام جريرٌ فحمِد اللّه تعالى وأثنى عليه وقال‏:‏ عليكم باتقاء اللّه وحدَه لا شريكَ له، والوقارَ والسكينةَ حتى يأتيَكم أميرٌ فإنما يأتيكم الآن‏.‏ ‏(31)
 بابُ دُعاءِ الإِنسانِ لمن صَنَعَ معروفاً إليه أو إلى النَّاسِ كلِّهم أو بعضِهم، والثناءِ عليه وتحريضه على ذلك
1/804 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما قال‏:‏ أتى النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم الخلاءَ، فوضعتُ له وَضوءاً، فلما خرج قال‏:‏ ‏"‏مَنْ وَضَعَ هَذَا‏؟‏‏"‏ فأُخبر، قال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ‏"‏ زاد البخاري ‏"‏فَقِّهْهُ في الدِّينِ‏"‏‏.‏
2/805 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي قتادة رضي اللّه عنه في حديثه الطويل العظيم المشتمل على معجزاتٍ متعدّداتٍ لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ فبينا رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسيرُ حتى ابْهَارَّ الليل وأنا إلى جنبه، فنَعَس رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمالَ عن راحلته فأتيتُه فدعَّمتُه من غير أن أُوقظَه حتى اعتدل على راحلته، ثم سارَ حتى تَهَوَّر الليلُ مال عن راحلته، فدعَّمتُه من غير أن أوقظَه حتى اعتدل على راحلته، ثم سارَ حتى إذا كان من آخر السَّحَر مالَ ميلة هي أشدّ من الميلتين الأُولَيَيْن حتى كاد ينجفلُ، فأتيتُه فدعَّمته، فرفعَ رأسَه فقال‏:‏ ‏"‏مَنْ هَذَا‏؟‏‏"‏ قلتُ‏:‏ أبو قتادة، قال‏:‏ ‏"‏مَتَى كان هَذَا مَسِيركَ مِنِّي‏؟‏‏"‏ قلتُ‏:‏ ما زال هذا مسيري منذ الليلة، قال‏:‏ ‏"‏حَفِظَكَ اللّه بِما حَفِظْتَ بِهِ نَبِيّهُ‏"‏ وذكر الحديث‏.
قلت‏:‏ ابهارَّ بوصل الهمزة وإسكان الباء الموحدة وتشديد الراء ومعناه‏:‏ انتصف؛ وقوله تهوّرَ‏:‏ أي ذهب معظمه؛ وانجفل بالجيم‏:‏ سقط؛ ودعَّمته‏:‏ أسندته‏.‏
3/806 وروينا في كتاب الترمذي، عن أُسامةَ بن زيد رضي اللّه عنهما، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ صُنِعَ إِلَيْه مَعْرُوفٌ فَقالَ لِفاعِلِهِ‏:‏ جَزَاك اللَّهُ خَيْراً، فَقَدْ أبْلَغَ في الثَّناء‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏
4/807 وروينا في سنن النسائي وابن ماجه وكتاب ابن السني، عن عبد اللّه بن أبي ربيعة الصحابي رضي اللّه عنه قال‏:‏ استقرضَ النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم منِّيَ أربعين ألفاً، فجاءَه مال فدفعَه إليَّ وقال‏:‏ ‏"‏بارَكَ اللَّهُ لَكَ في أهْلِكَ ومَالِكَ، إنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الحَمْدُ والأداءُ‏"‏‏.‏
5/808 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن جرير بن عبد اللّه البَجَليّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ كان في الجاهلية بيتٌ لخثعمَ يُقال له الكعبة اليمانية، ويُقال له ذو الخَلَصة، فقال لي رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏هَلْ أنْتَ مُرِيحِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ‏؟‏‏"‏ فنفرتُ إليه في مئة وخمسين فارساً من أحمس فكسَّرْنَا وقتلنَا مَن وجدنا عنده، فأتيناه فأخبرناه، فدعا لنا ولأحمس‏.‏ وفي رواية‏:‏ فبرَّك رسُول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على خيلِ أحمس ورجالها خمسَ مرّات‏.
6/809 وروينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما؛ أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتى زمزمَ وهم يَسقون ويَعملون فيها، فقال‏:‏ ‏"‏اعْمَلُوا فإنَّكُمْ على عَمَلٍ صَالِحٍ‏"‏‏.‏
 بابُ استحبابِ مُكافأةِ المُهْدي بالدعاءِ للمُهْدَى له إذا دَعا له عندَ الهدية
1/810 روينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي اللّه عنها قالتْ‏:‏ أَهديتُ لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شاةٌ قال‏:‏ ‏"‏اقْسِمِيها‏"‏ فكانت عائشةُ إذا رجعتِ الخادمُ تقولُ‏:‏ ما قالُوا‏؟‏ تقولُ الخادمُ‏:‏ قالوا‏:‏ باركَ اللّه فيكم، فتقول عائشة‏:‏ وفيهم بارك اللّه، نردُّ عليهم مثلَ ما قالوا، ويَبقى أجرُنا لنا‏.‏ (32)
 بابُ اسْتحبابِ اعتذارِ مَن أُهديتْ إليه هديّةٌ فردَّها لمعنى شرعي بأن يكون قاضياً أو والياً أو كان فيها شُبهة أو كان له عذرٌ غير ذلك
1/811 روينا في صحيح مسلم، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما؛ أن الصَّعْبَ بن جَثَّامةَ رضي اللّه عنه أهدى إلى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم حمارَ وحْشٍ وهو مُحْرِمٌ، فردََّه عليه وقال‏:‏ ‏"‏لَوْلا أنّا مُحْرِمُونَ لَقَبِلْنا مِنْكَ‏"(33)‏قلت‏:‏ جَثّامة بفتح الجيم وتشديد الثاء المثلثة‏.‏
 بابُ ما يقولُ لمن أزالَ عنه أذىً
1/812 روينا في كتاب ابن السني، عن سعيد بن المسيب، عن أبي أيَوبَ الأنصاري رضي اللّه عنه؛ أنه تناول من لحيةِ رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أذىً، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَسَحَ اللَّهُ عَنْكَ يا أبا أَيوبَ‏!‏ ما تَكْرَهُ‏"‏ وفي رواية عن سعد؛ أنَّ أبا أيوب أخذ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شيئاً، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يَكُنْ بِكَ السُّوءُ يا أبا أَيُّوبَ، لا يَكُنْ بِكَ السُّوءُ‏"‏‏.‏(34)
2/813 وروينا فيه، عن عبد اللّه بن بكر الباهلي قال‏:‏ أخذَ عمرُ رضي اللّه عنه من لحية رجلٍ أو رأسه شيئاً، فقال الرجلُ‏:‏ صرفَ اللّه عنك السوء، فقال عمر رضي اللّه عنه‏:‏ صُرفَ عنّا السوءُ منذ أسلمنا، ولكن إذا أُخذ عنك شيء فقل‏:‏ أخذتْ يداك خيراً‏.‏ (35)
 بابُ ما يقولُ إذا رَأى البَاكُورة مِن الثمر
1/814 روينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏ كانَ النَّاسُ إذا رأوْا أوّل الثمر جاؤوا به إلى رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإذا أخذَه رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا في ثَمَرِنا، وبَارِكْ لَنا في مَدِينَتِنا، وبَارِكْ لَنا في صَاعِنا، وبَارِكْ لَنا في مُدّنا، ثم يدعُو أصغرَ وليدٍ له فيُعطيه ذلك الثمرَ‏"‏ وفي رواية لمسلم أيضاً ‏"‏بَرَكَةً مع بركة، ثُم يعطيه أصغر من يَحضُره من الولدان‏"‏ وفي رواية الترمذي ‏"‏أصغرَ وليدٍ يراهُ‏"‏ وفي رواية لابن السني، عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه‏:‏ رأيتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، إذا أُتي بباكورةٍ وضعَها على عينيه ثم على شفتيه وقال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ كمَا أريْتَنا أوّلَهُ فأرِنا آخِرَهُ‏"‏ ثم يُعطيه مَنْ يكونُ عندَه من الصبيان‏.‏ (36)
 بابُ استحبابِ الاقتصَادِ في الموعظة والعلم
اعلم أنه يُستحبّ لمن وعظَ جماعةً أو ألقى عليهم عِلْماً أن يقتصدَ في ذلك ولا يُطوِّل تطويلاً يُمِلُّهم، لئلا يَضجروا وتذهبَ حلاوتُه وجلالتُه من قلوبهم، ولئلا يَكْرَهُوا العلمَ وسماعَ الخير فيقعُوا في المحذور‏.‏
1/815 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن شقيق بن سلمة قال‏:‏ كان ابنُ مسعودٍ يُذكِّرنا في كل خميس، فقال له رجل‏:‏ يا أبا عبد الرحمن‏!‏ لوددتُ أنك ذكّرتَنا كل يوم، فقال‏:‏ أما إنه يمنعني من ذلك أنّي أكره أنْ أُمِلَّكم، وإني أتخوَّلكم بالموعظة كما كان رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتخوّلنا بها مخافةَ السآمة علينا‏.‏ ‏(37)
2/816 وروينا في صحيح مسلم، عن عمّار بن ياسر رضي اللّه عنهما قال‏:‏ سمعتُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إن طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فأطِيلوا الصَّلاةَ واقْصِرُوا الخُطْبَةَ‏"‏‏.‏(38)
قلتُ‏:‏ مئنّة، بميم مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة‏:‏ أي علامة دالّة على فقهه‏.‏
وروينا عن ابن شهابٍ الزهريّ رحمه اللّه قال‏:‏ إذا طالَ المَجلسُ كانَ للشيطان فيه نصيب‏.‏
 بابُ فَضْل الدِّلاَلةِ على الخير والحَثِّ عليها
قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَتَعاونُوا على البِرّ والتَّقْوَى‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏2‏]‏‏.‏
1/817 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛ أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَن دَعا إلى هُدىً كانَ لهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعا إلى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ آثامِهِمْ شَيْئاً‏"‏‏.‏‏(39)
2/818 وروينا في صحيح مسلم أيضاً، عن أبي مسعود الأنصاري البدريّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ دَلَّ على خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أجْرِ فاعِلِهِ‏"‏‏.‏‏(40)
3/819 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سهل بن سعدٍ رضي اللّه عنه؛ أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لعليّ رضي اللّه عنه‏:‏ ‏"‏فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ‏"‏‏.‏‏(41)
وروينا في الصحيح قوله صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏واللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أخِيهِ‏"‏ (42)‏ والأحاديث في هذا الباب كثيرة في الصحيح مشهورة‏.‏
 بابُ حثِّ مَنْ سُئلَ علماً لا يعلمُه ويعلمُ أنَّ غيرَه يعرفُه على أن يَدُلَّ عليه
فيه الأحاديث الصحيحة المتقدمةُ في الباب قبلَه، وفيه حديث ‏"‏الدين النصيحة‏"‏ (43) وهذا من النصيحة‏.‏
1/820 روينا في صحيح مسلم، عن شُريحِ بن هانىءٍ قال‏:‏ أتيتُ عائشةَ رضي اللّه عنها أسألُها عن المسح على الخفّين، فقالتْ‏:‏ عليكَ بعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه فاسألْه، فإنه كان يُسافر مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فسألناه‏.‏ وذكر الحديث‏.‏
2/821 وروينا في صحيح مسلم، الحديث الطويل في قصة سعد بن هشام بن عامر لما أرادَ أن يسأل عن وترِ رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأتى ابنَ عباس يسألُه عن ذلك، فقال ابن عباس‏:‏ ألا أدلُّكَ على أعلمِ أهلِ الأرض بوتر رسول اللّه عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ مَن‏؟‏ قال‏:‏ عائشة فأْتِها فاسألها‏.‏ وذكر الحديث‏.‏ (44)
3/822 وروينا في صحيح البخاري، عن عمران بن حِطَّانَ، قال‏:‏ سألتُ عائشةَ رضي اللّه عنها عن الحرير فقالتْ‏:‏ ائتِ ابنَ عباسٍ فاسألْه، فسألتُه، فقال‏:‏ سلِ ابنَ عمر، فسألتُ ابنَ عمر، فقال‏:‏ أخبرني أبو حفص‏:‏ يعني عمرَ بن الخطاب رضي اللّه عنه؛ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إِنَّمَا يَلْبَسُ الحَرِيرَ في الدُّنْيا مَنْ لا خَلاقَ لَهُ في الآخِرَةِ‏"‏‏.‏‏(45)
قلتُ‏:‏ لا خلاق‏:‏ أي لا نصيبَ‏.‏ والأحاديث الصحيحة بنحو هذا كثيرة مشهورة‏.‏
 بابُ ما يَقولُ مَن دُعي إلى حُكْمِ اللَّهِ تعالى
ينبغي لمن قال له غيرُه‏:‏ بيني وبينَك كتاب اللّه أو سنّة رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أو أقوال علماء المسلمين، أو نحو ذلك، أو قال‏:‏ اذهبْ معي إلى حاكم المسلمين، أو المفتي لفصلِ الخصومةِ التي بيننا، وما أشبَه ذلك، أن يقولَ‏:‏ سمعنا وأطعنا، أو سمعاً وطاعةً، أو نعم وكرامة، أو شبه ذلك، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا كانَ قَوْلَ المُؤْمِنينَ إذَا دُعُوا إلى اللّه وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وأطَعْنا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏51‏]‏‏.‏
 فصل ‏:‏ينبغي لمن خاصمَه غيرُه أو نازعَه في أمر فقال له‏:‏ اتّقِ اللَّهَ تعالى، أو خَفِ اللَّهَ تعالى، أو راقبِ اللَّهَ، أو اعلم أنَّ اللّه تعالى مطّلعٌ عليك، أو اعلم أنَّ ما تقوله يُكتب عليك وتُحاسبُ عليه، أو قال له‏:‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ تَجدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 30‏]‏ أو ‏{‏اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللّه‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏281‏]‏ أو نحو ذلك من الآيات، وما أشبه ذلك من الألفاظ؛ أن يتأدَّبَ ويقول‏:‏ سمعاً وطاعةً، أو أسألُ اللّه التوفيقَ لذلك، أو أسألُ اللّه الكريمَ لطفه، ثم يتلطَّفُ في مخاطبة مَن قال له ذلك، وليحذرْ كلَّ الحذرِ من تساهلهِ عند ذلك في عبارته، فإن كثيراً من الناس يتكلمون عند ذلك بما لا يَليق، وربما تكلَّم بعضُهم بما يكون كفراً، وكذلك ينبغي إذا قال له صاحبه‏:‏ هذا الذي فعلتَه خلاف حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو نحو ذلك، أن لا يقول‏:‏ لا ألتزمُ الحديثَ، أو لا أعملُ بالحديث، أو نحو ذلك من العبارات المستبشعة؛ وإن كان الحديثُ متروكَ الظاهر لتخصيص أو تأويلٍ أو نحو ذلك، بل يقول عند ذلك‏:‏ هذا الحديثُ مخصوصٌ أو متأوّلٌ أو متروكُ الظاهر بالإِجماع، وشبه ذلك‏.‏ 
اقرأ بعده ........

كتاب الأذكار المتفرّقة.إذا سمع صِياحَ الدِّيكِ ونهيقَ الحِمار ونُباحَ الكَلْبِ. ما يَقولُ إذا رأى الحريق.ما يقولُه عندَ القِيام مِنَ المجلسِ. دُعاءِ الجَالسِ في جمعٍ لنفسِه ومَنْ مَعَه.كَراهةِ القِيَام مِن المجلسِ قبلَ أنْ يذكرَ اللّه تعالى.الذِّكْرِ في الطَّرِيْقما يقولُ إذا غَضِبَ


 كتاب الأذكار المتفرّقة
اعلم أن هذا الكتاب أنثرُ فيه إن شاء اللّه تعالى أبواباً متفرّقة من الأذكار والدعواتِ يعظم الانتفاعُ بها إن شاء اللّه تعالى، وليس لها ضابطٌ نلتزمُ ترتيبها بسببه، واللّه الموفّق‏.‏
 بابُ استحباب حمد اللّه تعالى والثناء عليه عندَ البِشارةِ بما يَسُرُّه
اعلم أنه يُستحبّ لمن تجدّدتْ له نعمةٌ ظاهرة، أو اندفعتْ عنه نقمةٌ ظاهرة أن يسجد شكراً للّه تعالى، وأن يحمدَ اللّه تعالى أو يثني عليه بما هو أهله، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة مشهورة‏.‏
1/754 روينا في صحيح البخاري، عن عمرو بن ميمون في مقتل عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في حديث الشورى الطويل؛
أن عمر رضيَ اللّه عنه أرسلَ ابنه عبد اللّه إلى عائشة رضي اللّه عنها يستأذنُها أن يُدفن مع صاحبيه، فلما أقبلَ عبدُ اللّه قال عمر‏:‏ ما لديك‏؟‏ قال‏:‏ الذي تُحبُّ يا أميرَ المؤمنين، أذِنَتْ، قال‏:‏ الحمدُ للّه ما كان شيءٌ أهمَّ إليّ من ذلك‏.‏‏(1)
 بابُ ما يقولُ إذا سمع صِياحَ الدِّيكِ ونهيقَ الحِمار ونُباحَ الكَلْبِ
1/755 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرةَ رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذَا سَمِعْتُمْ نُهَاقَ الحَمِيرِ فَتَعَوَّذُوا باللّه مِنَ الشَّيْطانِ، فإنَّهَا رأتْ شَيْطاناً؛ وَإذا سَمِعْتُمْ صِياحَ الدّيَكَةِ فاسْأَلُوا اللّه مِنْ فَضْلِهِ فإنَّها رأتْ مَلَكاً‏"‏‏.‏ (2)
2/756 وروينا في سنن أبي داود، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏‏"‏إذَا سَمِعْتُمْ نُباحَ الكِلابِ وَنَهِيقَ الحَمِيرِ باللَّيْلِ فَتَعَوَّذُوا باللَّهِ، فإنَّهُنَّ يَرَيْنَ ما لا تَرَوْنَ‏"‏‏.‏(3)
 بابُ ما يَقولُ إذا رأى الحريق
1/757 روينا في كتاب ابن السني، عن عمرو بن شُعيب، عن أبيه عن جدّه رضي اللّه عنه قال‏:‏
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِذَا رأيْتُمُ الحَرِيقَ فَكَبِّرُوا، فَإِنَّ التَّكْبِيرَ يُطْفئُهُ‏"‏‏.‏(4)
ويُستحبّ أن يدعوَ مع ذلك بدعاء الكرْب وغيره مما قدَّمناه في كتاب الأذكار للأمور العارضات وعند العاهات والآفات‏.‏
 بابُ ما يقولُه عندَ القِيام مِنَ المجلسِ
1/758 روينا في كتاب الترمذي وغيره، عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لغَطُهُ فَقالَ قَبْلَ أنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذلكَ‏:‏ سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ ما كَانَ في مَجْلِسِهِ ذلكَ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ (5)
2/759 وروينا في سنن أبي داود وغيره، عن أبي برزةَ رضي اللّه عنه ـ واسمه نضلة ـ قال‏:‏ كان رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول بأخَرَةٍ إذا أراد أن يقوم من المجلس‏:‏ سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ، فقال رجل‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ إنك لتقول قولاً ما كنتَ تقولُه فيما مضى، قال‏:‏ ذلكَ كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ في المَجْلِسِ‏"‏ ورواه الحاكم في المستدرك من رواية عائشة رضي اللّه عنها وقال‏:‏ صحيح الإِسناد‏.‏ قلت‏:‏ قوله بأَخَرة، وهو بهمزة مقصورة مفتوحة وبفتح الخاء، ومعناه‏:‏ في آخر الأمر‏.‏ ‏(6)
3/760 وروينا في حلية الأولياء، عن عليّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ مَن أحبّ أن يكتالَ بالمكيال الأوفى فليقلْ في آخر مجلسه أو حين يقول‏:‏ سبحانَ ربِّك ربّ العزّة عمّا يَصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ للّه رب العالمين‏.‏ ‏(7)
 بابُ دُعاءِ الجَالسِ في جمعٍ لنفسِه ومَنْ مَعَه
1/761 روينا في كتاب الترمذي، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، قال‏:‏ قلَّما كانَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقومُ من مجلس حتى يدعوَ بهؤلاء الدعوات لأصحابه‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ ما يَحُولُ بَيْنَنا وبَيْنَ مَعاصِيكَ، وَمِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقين ما تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنا مَصَائبَ الدُّنْيا؛ اللَّهُمَّ مَتِّعْنا بأسْماعنا وأبْصَارِنا وَقُوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا، واجْعَلْهُ الوَارِثَ منَّا، وَاجْعَلْ ثأْرنا على مَنْ ظَلَمَنا، وانْصُرْنا على مَنْ عادَانا وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنا في دِينِنا، وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيا أكْبَرَ هَمِّنا وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنا، وَلا تُسَلِّط عَلَيْنا مَنْ لا يَرْحمُنا‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (8)
 بابُ كَراهةِ القِيَام مِن المجلسِ قبلَ أنْ يذكرَ اللّه تعالى
1/762 روينا بالإِسناد الصحيح في سنن أبي داود وغيره، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلسٍ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعالى فِيهِ إِلاَّ قامُوا عَنْ مثْلِ جِيفَةِ حِمارٍ وكانَ لَهُمْ حَسْرَةً‏"‏‏.‏‏(9)
3/763 وروينا فيه، عن أبي هريرة أيضاً، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ قَعَدَ مَقْعَداً لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعالى فِيهِ كانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ، وَمَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعاً لا يَذْكُرُ اللَّهَ تَعالى فيهِ كانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللّه تِرَةٌ‏"‏
(10)‏قلت‏:‏ تِرَة بكسر التاء وتخفيف الراء، ومعناه‏:‏ نقص، وقيل تبعة؛ ويجوز أن يكون حسرة كما في الرواية الأخرى‏.‏
3/764 وروينا في كتاب الترمذي، عن أبي هريرة أيضاً، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ما جَلَس قَوْمٌ مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعالى فِيهِ ولَمْ يُصَلُّوا على نَبِيِّهمْ فِيهِ إِلاَّ كانَ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ، فإنْ شاءَ عَذبهُمْ، وَإنْ شاءَ غَفَرَ لَهُم‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏
 بابُ الذِّكْرِ في الطَّرِيْق
1/765 روينا في كتاب ابن السني، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ما مِنْ قَوْمٍ جَلَسُوا مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ إِلاَّ كانَتْ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ، ومَا سَلَكَ رَجُلٌ طَرِيقاً لمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيه إِلاَّ كانَتْ عَلَيْهِ تِرةٌ‏"‏‏.‏‏(12)
2/766 وروينا في كتاب ابن السني ودلائل النبوّة للبيهقي، عن أبي أُمامةَ الباهلي رضي اللّه عنه قال‏:‏ أتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم جبريلُ صلى اللّه عليه وسلم وهو بتبوك فقال‏:‏ ‏"‏يا مُحَمَّدُ‏!‏ اشْهَدْ جَنازَةَ مُعاوِيَةَ بْنِ مُعاوِيَةَ المُزَنِيّ، فخرجَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ونزلَ جبريلُ عليه السلام في سبعين ألفاً من الملائكة، فوضعَ جناحَه الأيمن على الجبال فتواضعتْ ووضع جناحَه الأيسر على الأرضين فتواضعت، حتى نظرَ إلى مكة والمدينة، فصلَّى عليه رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم وجبريلُ والملائكةُ عليهم السلام؛ فلما فرغ قال‏:‏ يا جبْرِيل‏!‏ بِمَ بَلَغَ مُعاوِيَةُ هَذِهِ المَنْزِلَةَ‏؟‏ قال‏:‏ بِقِرَاءَتِه‏:‏ قُلْ هُوَ اللّه أحَدٌ قائماً وَرَاكباً ومَاشياً‏"‏‏.‏
 بابُ ما يقولُ إذا غَضِبَ
1/767 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ليسَ الشديدُ بالصّرعَةِ، إنما الشديدُ الذي يملكُ نفسَهُ عند الغضب‏"‏‏.‏(14)
2/768 وروينا في صحيح مسلم، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فيكُمْ‏؟‏ قلنا‏:‏ الذي لا تصرعُه الرجالُ، قال‏:‏ لَيْسَ بذلكَ، وَلَكِنَّهُ الَّذي يَمْلكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَب‏"(15)‏قلت‏:‏ الصُّرَعة بضم الصاد وفتح الراء، وأصله الذي يَصرعُ الناسَ كثيراً كالهُمزة واللُّمزة الذي يَهمزهم كثيراً‏.‏
3/769 وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه، عن معاذ بن أنس الجهني الصحابي رضي اللّه عنه
أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وَهُوَ قادِرٌ على أنْ يُنَفِّذَهُ دَعاهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى على رُؤوس الخَلائِقِ يَوْمَ القِيامَةِ حتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الحُورِ ما شاءَ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏
4/770 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سليمان بن صُرَد الصحابي رضي اللّه عنه قال‏:‏
كنتُ جالساً مع النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ورجلان يَسْتَبَّان، وأحدُهما قد احمرّ وجهُه وانتفختْ أوداجُه، فقال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إني لأعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ ما يَجدُ، لَوْ قالَ‏:‏ أعُوذُ باللّه مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجيمِ، ذَهَبَ مِنْهُ ما يَجِدُ‏"‏ فقالوا له‏:‏ إن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ تَعَوَّذْ باللّه منَ الشَّيْطانِ الرَّجِيم، فقال‏:‏ وهل بي من جنون‏؟‏
5/771 ورويناه في كتابي أبي داود والترمذي بمعناه، من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال الترمذي‏:‏ هذا مرسل‏.‏ يعني أن عبد الرحمن لم يُدْرك معاذاً‏.‏
6/772 وروينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ دخلَ عليّ النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم وأنا غَضْبى، فأخذَ بطرفِ المِفصل من أنفي فعركه ثم قال‏:‏ ‏"‏يا عُوَيْشُ قُولي‏:‏ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي وأذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِي، وأجِرْني مِنَ الشَّيْطانِ‏"‏‏.‏
7/773 وروينا في سنن أبي داود، عن عطيةَ بن عروةَ السعديّ الصحابي رضي اللّه عنه قال‏:‏
قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنَّ الغَضَبَ مِنَ الشَّيْطانِ، وَإِنَّ الشَّيْطانَ خُلق من النار ، وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ‏"(20)
 اقرا بعده ......

كتاب الأسماء.تَسْمِيةِ المَوْلُود تَسْمِيةِ السَّقْط.أحبِّ الأسماءِ إلى اللّه عزَّ وجلّ.استحباب التهنئة وجواب المُهَنَّأ.النهي عن التسميةِ بالأسماءِ المَكْرُوهة.نداءِ مَنْ لا يُعرف اسمُه. نهي الولد والمتعلم والتلميذ أن يُنادي أباه ومعلّمه وشيخه باسمه.جَوازِ ترخيمِ الاسمِ إذَا لم يَتَأذّ بذلك صاحبُه.جَوازِ واستحباب اللقبِ الذي يُحبُّه صاحبُه.جوازِ الكِنى واستحباب مخاطبةِ أَهْلِ الفَضْل بها. كُنيةِ الرجل بِأَكبرِ أولادِه.كُنية الرجلِ الذي له أولادٌ بغيرِ أولادِه.النّهي عنِ التَّكَنِّي بأبي القَاسِم.جَوَاز تكنيةِ الكَافِر والمبتدع والفاسق . جواز تكنية الرجل بأبي فُلانة وأبي فُلان والمرأة بأُمّ فلان وأُمّ فُلانة.......

 كتاب الأسماء
 بابُ تَسْمِيةِ المَوْلُود
السُّنّة أن يُسمَّى المولود في اليوم السابعِ من ولادته أو يوم الولادة‏.‏
1/720 فأما استحبابه يومَ السابع فلِمَا رَويناه في كتاب الترمذي، عن عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جده؛
أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم أمرَ بتسمية المولود يومَ سابعهِ، ووضعِ الأذى عنه، والعقّ‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (1)
2/721 وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهما، بالأسانيد الصحيحة، عن سمرة بن جُندب رضي اللّه عنه؛
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏كُلُّ غُلامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سابِعِهِ، ويُحْلَقُ، وَيُسَمَّى‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديثٌ حسن صحيح‏.‏ وأما يوم الولادة فلِما رويناه في الباب المتقدم من حديث أبي موسى‏.‏ (2)
3/722 وروينا في صحيح مسلم وغيره، عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏وُلِدَ لي اللَّيْلَةَ غُلامٌ فَسَمَّيْتُهُ باسْمِ أبي‏:‏ إبْرَاهِيم صلى اللّه عليه وسلم‏"‏‏.‏(3)
4/723 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس قال‏:‏ وُلد لأبي طلحةَ غلامٌ، فأتيتُ به النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فحنَّكَه، وسمَّاه عبد اللّه‏.‏ (4)
5/724 وروينا في صحيحيهما، عن سهل بن سعد الساعدي رضي اللّه عنه قال‏:‏ أُتي بالمنذر بن أبي أُسَيْد إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين وُلد، فوضعه النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم على فخذه وأبو أُسيد جالسٌ، فلَهِيَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم بشيء بين يديه، فأمر أبو أُسيد بابنه فاحْتُمِل من على فخذ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، فأقلبُوه، فاستفاقَ النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏أيْنَ الصَّبِيُّ‏؟‏‏"‏ فقال أبو أُسيد‏:‏ أقلبناه يا رسول اللّه‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ما اسْمُهُ‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ فلان، ‏"‏قال‏:‏ لا، وَلَكِنِ اسْمُهُ المُنْذِرُ‏"‏ فسمّاه يومئذ المنذر‏.‏ (5)
قلت‏:‏ قوله لهِي، بكسر الهاء وفتحها لغتان‏:‏ الفتح لطيء، والكسر لباقي العرب، وهو الفصيح المشهور، ومعناه‏:‏ انصرف عنه، وقيل اشتغل بغيره، وقيل نسيه، وقوله استفاق‏:‏ أي ذكره، وقوله فأقلبوه‏:‏ أي رَدّوه إلى منزلهم‏.‏
 بابُ تَسْمِيةِ السَّقْط(6)
يُستحبّ تسميتُه، فإن لم يُعلم أذكرٌ هو أو أنثى، سُمِّي باسم يَصلحُ للذكر والأُنثى كأسماء وهند وهُنيدة وخارجة وطلحة وعُميرة وزُرْعة ونحو ذلك‏.‏ قال الإِمام البغوي‏:‏ يُستحبّ تسميةُ السقط لحديث ورد فيه ‏(7)‏ ، وكذا قاله غيره من أصحابه‏.‏ قال أصحابنا‏:‏ ولو مات المولود قبل تسميته استُحبّ تسميتُه‏.‏
 بابُ استحباب تَحسينِ الاسم
1/725 روينا في سنن أبي داود، بالإِسناد الجيد، عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيامَةِ بأسْمائكُمْ وأسماءِ آبائِكُمْ فأحْسِنُوا أسْماءَكُمْ‏"‏‏.‏ (8)
 بابُ بيانِ أحبِّ الأسماءِ إلى اللّه عزَّ وجلّ
1/726 روينا في صحيح مسلم، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنَّ أحَبَّ أسْمائكُمْ إلى اللّه عَزَّ وَجَلَّ عَبْدُ اللّه، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ‏"‏‏.‏‏(9)
2/727 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن جابر رضي اللّه عنه قال‏:‏ وُلد لرجلٍ منّا غلامٌ فسمَّاه القاسم، فقلنا‏:‏ لا نُكَنِّيك أبا القاسم ولا كرامة، فأخبرَ النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم، فقال‏:‏ ‏"‏سَمّ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ‏"‏‏.‏‏(10)
3/728 وروينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما، عن أبي وُهيب الجشمي الصحابي رضي اللّه عنه قال‏:‏
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏تَسَمَّوا بأسْماءِ الأنْبِياءِ، وَأحَبُّ الأسْماءِ إلى اللّه تَعالى عَبْدُ اللّه وَعَبْدُ الرَّحْمَن، وأصْدَقُها‏:‏ حَارِثٌ وَهمَّامٌ، وأقْبَحُها‏:‏ حَرْبٌ وَمُرَّةُ‏"‏‏.‏(11)
 بابُ استحباب التهنئة وجواب المُهَنَّأ
يُستحبّ تهنئة المولود له، قال أصحابنا‏:‏ ويُستحبّ أن يُهَنَّأ بما جاءَ عن الحسين رضي اللّه عنه أنه علَّم إنساناً التهنئة فقال‏:‏ قل‏:‏ باركَ اللّه لكَ في الموهوب لك، وشكرتَ الواهبَ، وبلغَ أشدَّه ورُزقت برّه‏.‏ ويُسْتَحَبُّ أن يردّ على المُهنىء فيقول‏:‏ باركَ اللّه لك، وبارَك عليك، وجزاكَ اللّه خيراً، ورزقك اللّه مثلَه، أو أجزلَ اللّه ثوابَك، ونحو هذا‏.‏
 بابُ النهي عن التسميةِ بالأسماءِ المَكْرُوهة
1/729 روينا في صحيح مسلم، عن سمرة بن جندب رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تُسَمِّيَنَّ غُلامَكَ يَسَاراً، وَلا رَباحاً، وَلا نَجاحاً، وَلا أفْلَحَ، فإنَّكَ تَقُولُ أثَمَّ هُوَ‏؟‏ فَلا يَكُونُ، فَتَقُولُ‏:‏ لا‏.‏ إنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ فَلا تَزِيدونَ عَليَّ‏"‏‏.‏‏(12)
2/730 وروينا في سنن أبي داود وغيره، من رواية جابر، وفيه أيضاً النهي عن تسميته بركة‏.(13)
3/731 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إنَّ أخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأمْلاكِ‏"‏ وفي رواية ‏"‏أخنى‏"‏ بدل ‏"‏أخنع‏"‏‏.‏ وفي رواية لمسلم ‏"‏أغْيَظُ رَجُلٍ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيامَةِ وأخْبَثُهُ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الأمْلاكِ، لا مَلِكَ إِلاَّ اللَّهُ‏"‏ قال العلماء‏:‏ معنى أخنع وأخنى‏:‏ أوضع وأذلّ وأرذل‏.‏ وجاء في الصحيح عن سفيان بن عيينة قال‏:‏ ملك الأملاك مثل شاهان شاه‏.‏ ‏(14)
 باب ذكر الإِنسان من يتبعُه من ولد أو غلام أو متعلمٍ أو نحوهم باسمٍ قبيحٍ ليؤدّبَه ويزجرَه عن القبيح ويروّضَ نفسَه
1/732 روينا في كتاب ابن السني، عن عبد اللّه بن بُسْرٍ المازني الصحابي رضي اللّه عنه، وهو بضمّ الباء الموحدة وإسكان السين المهملة‏.‏
قال‏:‏ بعثتني أُمي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بِقِطْفٍ مِن عِنَب، فأكلتُ منه قبل أن أُبلغَه إياه، فلما جئتُ به أَخَذَ بأُذني وقال‏:‏ ‏"‏يا غُدَرُ‏"‏‏.‏(15)
2/733 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنهما في حديثه الطويل المشتمل على كرامة ظاهرة للصديق رضي اللّه عنه، ومعناه‏:‏
أن الصديق رضي اللّه عنه ضيَّفَ جماعةً وأجلسَهم في منزله وانصرفَ إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتأخَّرَ رجوعُه، فقال عند رجوعه‏:‏ أعشّيتمُوهم‏؟‏ قالُوا‏:‏ لا، فأقبل على ابنه عبد الرحمن فقال‏:‏ يا غُنْثَرُ فَجَدَّعَ وَسَبَّ‏.‏ (16)
قلتُ‏:‏ قوله‏:‏ غنثر، بغين معجمة مضمومة، ثم نون ساكنة ثم تاء مثلثة مفتوحة ومضمومة ثم راء، ومعناه‏:‏ يا لئيم، وقوله‏:‏ فجدّعَ، وهو بالجيم والدال المهملة، ومعناه‏:‏ دعا عليه بقطع الأنف ونحوه، واللّه أعلم‏.‏
 بابُ نداءِ مَنْ لا يُعرف اسمُه
ينبغي أن يُنادى بعبارةٍ لا يتأذّى بها، ولا يكون فيها كذبٌ ولا مَلَقٌ (17)‏ كقولك‏:‏ يا أخي، يا فقيه، يا فقير، يا سيدي، يا هذا، يا صاحبَ الثوب الفلاني أو النعل الفلاني أو الفرس أو الجمل أو السيف أو الرمح، وما أشبه هذا على حسب حال المُنَادى والمُنَادِي‏.‏
1/734 وقد روينا في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، بإسناد حسن، عن بَشير بن معبد المعروف بابن الخَصَاصِيَة رضي اللّه عنه قال‏:‏ بينما أنا أُماشي النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم نظرَ فإذا رجلٌ يمشي بين القبور عليه نعلان فقال‏:‏ ‏"‏يا صَاحبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ‏!‏ وَيْحَكَ أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ‏"‏ وذكر تمام الحديث‏.‏ (18)‏قلتُ‏:‏ النعالُ السِّبتِيةُ بكسر السين‏:‏ التي لا شعرَ عليها‏.‏
2/735 وروينا في كتاب ابن السني، عن جاريةَ الأنصاري الصحابي رضي اللّه عنه، وهو بالجيم قال‏:‏
كنتُ عندَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم وكان إذا لم يحفظ اسم الرجل قال‏:‏ ‏"‏يا بنَ عبد اللّه‏!‏‏"‏‏.‏ (19)
 باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ أن يُنادي أباه ومعلّمه وشيخه باسمه
1/736 روينا في كتاب ابن السني، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه‏:‏ ‏"‏أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم رأى رجلاً معه غلام، فقال للغلام‏:‏ مَنْ هَذَا‏؟‏ قال‏:‏ أبي، قال‏:‏ فَلا تَمْشِ أمامَهُ، ولا تَسْتَسِبَّ لَهُ، وَلا تَجْلِسْ قَبْلَهُ، وَلا تَدْعُهُ باسْمِهِ‏"‏‏.‏‏(20)
قلت‏:‏ معنى لا تَسْتَسِبَّ له‏:‏ أي لا تفعل فعلاً يتعرّض فيه لأن يسبّك أبوك زجراً لك وتأديباً على فعلك القبيح‏.‏
2/737 وروينا فيه، عن السيد الجليل العبد الصالح المتفق على صلاحه عبيد اللّه بن زَحْر، بفتح الزاي وإسكان الحاء المهملة رضي اللّه عنه قال‏:‏ يُقال من العقوق أن تُسَمِّي أباك باسمه، وأن تمشيَ أمامَه في طريق‏.‏ (21)
 بابُ استحباب تغيير الاسم إلى أحسنَ منه
فيه حديثُ سهلِ به سعدٍ الساعدي المذكور في باب تسمية المولود في قصة المنذر بن أبي أُسَيْد‏.‏
1/738 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛ أن زينبَ كان اسمُها برّةَ، فقيل‏:‏ تزكَي نفسها، فسمَّاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زينب‏.‏
2/739 وفي صحيح مسلم، عن زينبَ بنت أبي سلمة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏سموها زينب‏"‏ قالت‏:‏ ودخلت عليه زينب بنت جحش واسمها برة، فسمّاها زينبَ‏.‏ ‏(‏البخاري ‏(‏6192‏)‏ ، ومسلم ‏(‏2141‏)‏ ‏.‏
3/740 وفي صحيح مسلم أيضاً، عن ابن عباس قال‏:‏ كانت جويريةُ اسمها برّة، فَحَوَّلَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم اسمَها جويرية، وكان يكرهُ أن يُقال خَرَج من عند برّة‏.‏ ‏(23)
4/741 وروينا في صحيح البخاري، عن سعيد بن المسيب بن حَزْن عن أبيه، أن أباه جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏ما اسْمُكَ‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ حَزْن، فقال‏:‏ ‏"‏أنْتَ سَهْلٌ‏"‏ قال‏:‏ لا أُغيّر اسماً سمّانيه أبي، قال ابنُ المسيب‏:‏ فما زالت الحزونة فينا بعد‏(24)(‏البخاري ‏(‏6190‏)‏‏ "(‏البخاري ‏(‏6190‏)‏‏.‏
قلتُ‏:‏ الحزونة‏:‏ غلظ الوجه وشيء من القساوة‏.‏
5/742 وروينا في صحيح مسلم، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما؛ أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم غيَّرَ اسم عاصية وقال‏:‏ ‏"‏أنت جميلة‏"‏ وفي رواية لمسلم أيضاً‏:‏ أن ابنةً لعمرَ كان يُقال لها عاصية، فسمَّاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جميلة‏.‏ ‏(25)(‏مسلم ‏(‏2139‏)‏ ‏(‏14‏)‏ و ‏(‏15‏)‏ ، وهو في سنن أبي داود ‏(‏4952‏)‏ "(‏مسلم ‏(‏2139‏)‏ ‏(‏14‏)‏ و ‏(‏15‏)‏ ، وهو في سنن أبي داود ‏(‏4952‏)‏
6/743 وروينا في سنن أبي داود، بإسناد حسن، عن أُسامة بن أَخْدَريٍّ الصحابي رضي اللّه عنه ـ وأخدري بفتح الهمزة والدال المهملة وإسكان الخاء المعجمة بينهما ـ أن رجلاً يُقَال له أصرم كان في النفَر الذين أتوْا رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما اسْمُكَ‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ أَصْرَم، قال‏:‏ ‏"‏بَلْ أنْتَ زُرْعَةُ‏"‏‏.‏‏(26)
7/744 وروينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما، عن أبي شُرَيْح هانىء الحارثي الصحابي رضي اللّه عنه؛ أنه لما وَفَدَ إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مع قومه سمعهم يُكنّونه بأبي الحكم، فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏إنَّ اللَّهَ هُوَ الحَكَمُ وَإِلَيْهِ الحُكْمُ فَلِمَ تُكَنَّى أبا الحَكَمِ‏؟‏‏"‏ فقال‏:‏ إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمتُ بينَهم، فرضي كِلا الفريقين، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏‏"‏ مَا أحْسَنَ هَذَا، فَمَا لَكَ منَ الوَلَدِ‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ لي شُريح، ومُسلم، وعبدُ اللّه، قال‏:‏ ‏"‏فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ‏؟‏‏"‏ قلت‏:‏ شريحُ، قال‏:‏ ‏"‏فأنْتَ أبُو شُرَيْحٍ‏"‏‏.
قال أبو داود (27):‏ وغيّر النبيّ صلى اللّه عليه وسلم اسمَ العاصي، وعزيز، وعَتْلَة (28)‏ ، وشيطان، والحكم، وغراب، وحباب، وشهاب، فسمّاه هاشماً، وسمّى حَرْباً سِلْماً، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضاً يُقال لها عَقِرَة (29) سمّاها خضرة، وشِعْبَ الضلالة سمّاه شِعْبَ الهُدى، وبنو الزِّينة سمَّاهم بني الرِّشْدَة، وسمَّى بني مُغوية بني رِشْدَة‏.‏ قال أبو داود‏:‏ تركتُ أسانيدها للاختصار‏.‏ قلتُ‏:‏ عَتْلة بفتح العين المهملة وسكون التاء المثناة فوق، قاله ابن ماكولا، قال‏:‏ وقال عبد الغني‏:‏ عَتَلة‏:‏ يعني بفتح التاء أيضاً، قال‏:‏ وسمَّاه النبيّ صلى اللّه عليه وسلم عُتْبة، وهو عتبة بن عبد السلمي‏.‏ (30)
 بابُ جَوازِ ترخيمِ الاسمِ إذَا لم يَتَأذّ بذلك صاحبُه
1/745 روينا في الصحيح، من طرق كثيرة؛ أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم رخَّمَ أسماء جماعة من الصحابة، فمن ذلك قوله صلى اللّه عليه وسلم لأبي هريرة رضي اللّه عنه‏"‏ ‏:‏يا أبا هِرّ‏"‏‏.‏
وقوله صلى اللّه عليه وسلم لعائشةَ رضي اللّه عنها‏:‏ ‏"‏يا عَائِشُ‏"‏ (31)
وفي كتاب ابن السني (32) أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال لأُسامة ‏"‏يا أُسَيْمُ‏"‏ وللمقدتم ‏"‏يا قُدَيْمُ‏"‏‏.‏ (33)
 بابُ النهي عن الأَلقابِ التي يَكْرَهُها صاحبُها
قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَنَابَزُوا بالألْقابِ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 11‏]‏ واتفق العلماء على تحريم تلقيب الإِنسان بما يكره، سواء كان له صفة؛ كالأعمش، والأجلح، والأعمى، والأعرج، والأحول، والأبرص، والأشج، والأصفر، والأحدب، والأصمّ، والأزرق، والأفطس، والأشتر، والأثرم، والأقطع، والزمن، والمقعد، والأشلّ، أو كان صفة لأبيه أو لأمه أو غير ذلك مما يَكره‏.‏ واتفقوا على جواز ذكره بذلك على جهة التعريف لمن لا يعرفه إلا بذلك‏.‏ ودلائل ما ذكرته كثرة مشهورة حذفتها اختصاراً واستغناءً بشهرتها‏.‏
 بابُ جَوازِ واستحباب اللقبِ الذي يُحبُّه صاحبُه
فمن ذلك أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه، اسمه عبد اللّه بن عثمان، لقبه عتيق، هذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء من المحدِّثين وأهل السِيَر والتواريخ وغيرهم‏.‏ وقيل اسمه عتيق، حكاه الحافظ أبو القاسم بن عساكر في كتابه الأطراف، والصواب الأول، واتفق العلماء على أنه لقبُ خير‏.‏ واختلفوا في سبب تسميته عتيقاً، فروينا عن عائشة رضي اللّه عنها من أوجه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أبُو بَكْرٍ عَتِيقُ اللَّهِ منَ النَّارِ‏"‏ (34)‏ قال‏:‏ فمن يومئذ سُمِّيَ عتيقاً‏.‏ وقال مصعب بن الزبير وغيره من أهل النسب‏:‏ سُمِّي عتيقاً لأنه لم يكن في نسبه شيء يُعاب به، وقيل غير ذلك، واللّه أعلم‏.‏
1/746 ومن ذلك أبو تراب لقبٌ لعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، وكُنيته أبو الحسن، ثبت في الصحيح،
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وجده نائماً في المسجد وعليه التراب، فقال‏:‏ ‏"‏قُمْ أبا تُرَابٍ‏!‏ قُمْ أَبَا تُرابٍ‏!‏‏"‏ فلزمه هذا اللقب الحسن الجميل‏.‏ (35)
2/747 وروينا هذا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سهل بن سعد، قال سهل‏:‏ وكانت أحبّ أسماء عليّ إليه، وإن كان ليفرح أن يُدعى بها‏.‏ هذا لفظ رواية البخاري‏.‏ (36)
3/748 ومن ذلك ذو اليدين واسمه الخِرْباق ـ بكسر الخاء المعجمة وبالباء الموحدة وآخره قاف ـ كان في يديه طول، ثبت في الصحيح؛
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يدعوه ‏"‏ذا اليدين‏"‏ واسمه الخِرْباق، رواه البخاري بهذا اللفظ في أوائل كتاب البرّ والصلة‏.‏ البخاري (37)
 بابُ جوازِ الكِنى واستحباب مخاطبةِ أَهْلِ الفَضْل بها
هذا الباب أشهر من أن نذكر فيه شيئاً منقولاً، فإن دلائله يشترك فيها الخواصّ والعوامّ، والأدب أن يُخاطب أهل الفضل ومن قاربهم بالكنية، وكذلك إنْ كتبَ إليه رسالة، وكذا إن رَوى عنه روايةً، فيُقال‏:‏ حدّثنا الشيخ أو الإِمام أبو فلان، فلان بن فلان وما أشبهه؛ والأدبُ أن لا يذكرَ الرجلُ كنيتَه في كتابه ولا في غيره، إلا أن لا يُعرف إلا بكنيته، أو كانت الكنية أشهرَ من اسمه‏.‏ قال النحاس‏:‏ إذا كانت الكنية أشهر، يُكنى على نظيره ويُسمَّى لمن فوقه، ثم يلحق بـ‏:‏ المعروف أبا فلان أو بأبي فلان‏.‏
 بابُ كُنيةِ الرجل بِأَكبرِ أولادِه
كُنِّي نبيّنا محمّدٌ صلى اللّه عليه وسلم أبا القاسم بابنه القاسم، وكان أكبرَ بنيه‏.‏ وفي الباب حديث أبي شريح (38)‏ الذي قدَّمناه في باب استحباب تغيير الاسم إلى أحسن منه‏.‏
 بابُ كُنية الرجلِ الذي له أولادٌ بغيرِ أولادِه
هذا الباب واسعٌ لايُحصى مَن يتّصفُ به، ولا بأس بذلك بابُ كُنيةِ مَنْ لم يُولَد له، وكُنية الصغيرِ
1/749 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏ كان النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم أحسنَ الناس خلقاً، وكان لي أخ يُقال له أبو عمير ـ قال الراوي‏:‏ أحسبه قال فَطِيمٌ ـ وكان النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم إذا جاءَه يقول‏:‏ ‏"‏يا أبا عُمَيْرٍ‏!‏ ما فَعَلَ النُغَيْرُ‏"‏ نُغَرٌ كانَ يلعبُ به‏.‏ البخاري (39)
2/750 وروينا بالأسانيد الصحيحية في سنن أبي داود وغيره، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ كلُّ صواحبي لهنّ كُنى، قال‏:‏ ‏"‏فاكْتَنِي بابْنِكَ عَبْدِ اللّه‏"‏ قال الراوي‏:‏ يعني عبد اللّه بن الزبير، وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر، وكانت عائشةُ تُكَنَّى أُمّ عبد اللّه‏.‏ قلت‏:‏ فهذا هو الصحيح المعروف‏.‏ (40)
3/751 وأما ما رويناه في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ أسقطتُ من النبيّ صلى اللّه عليه وسلم سَقْطاً فسمّاه عبد اللّه، وكنّاني بأُمّ عبد اللّه‏.‏ فهو حديث ضعيف‏.‏ ‏(41)
وقد كان من الصحابة جماعات لهم كنى قبل أن يُولد لهم، كأبي هريرة، وأنس، وأبي حمزة، وخلائق لا يُحصون من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، ولا كراهةَ في ذلك بل هو محبوبٌ بالشرط السابق‏.‏
 بابُ النّهي عنِ التَّكَنِّي بأبي القَاسِم
1/752 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن جماعة من الصحابة منهم جابر وأبو هريرة رضي اللّه عنهما؛
أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏سَمُّوا باسْمي وَلا تُكَنٌّوا بِكُنْيَتِي‏"(42)‏قلت‏:‏ اختلف العلماء في التكنّي بأبي القاسم على ثلاثة مذاهب‏:‏ فذهب الشافعي رحمه اللّه ومَنْ وافقه إلى أنه لا يَحِلُّ لأحد أن يَتَكَنَّى أبا القاسم، سواء كان اسمه محمداً أو غيره، وممّن روى هذا من أصحابنا عن الشافعي الأئمةُ الحفّاظُ الثقات الأثبات الفقهاء المحدّثون‏:‏ أبو بكر البيهقي، وأبو محمد البغوي في كتابه ‏"‏التهذيب‏"‏ في أول كتاب الكاح، وأبو القاسم بن عساكر في تاريخ دمشق‏.‏
والمذهب الثاني‏:‏ مذهب مالك رحمه اللّه أنه يجوز التكنّي بأبي القاسم لمن اسمه محمد ولغيره، ويجعل النهي خاصاً بحياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏.‏
والمذهب الثالث‏:‏ لا يجوز لمن اسمه محمد ويجوز لغيره‏.‏ قال الإِمام أبو القاسم الرافعي من أصحابنا‏:‏ يُشبه أن يكون هذا الثالث أصحّ، لأن الناس لم يزالوا يكتنون به في جميع الأعصار من غير إنكار، وهذا الذي قاله صاحب هذا المذهب فيه مخالفة ظاهرة للحديث‏.‏
وأما إطباق الناس على فعله مع أن في المتكنين به والمكنّين الأئمة الأعلام، وأهل الحلّ والعقد والذين يُقتدى بهم في مهمات الدين ففيه تقوية لمذهب مالك في جوازه مطلقاً، ويكونون قد فهموا من النهي الاختصاص بحياته صلى اللّه عليه وسلم كما هو مشهور من سبب النهي في تكنّي اليهود بأبي القاسم ومناداتهم يا أبا القاسم للإِيذاء، وهذا المعنى قد زال، واللّه أعلم‏.‏
 باب جَوَاز تكنيةِ الكَافِر والمبتدع والفاسق إذا كان لا يُعرف إلا بها أو خِيفَ من ذِكْره باسمِه فتنة
قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏تَبَّتْ يَدَا أبي لَهَبٍ‏}‏ واسمه عبد العزّى، قيل‏:‏ ذكر بكنيته لأنه يُعرف بها، وقيل‏:‏ كراهةً لاسمه حيثُ جُعل عبداً للصنم‏.‏
1/753 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أُسَامةَ بن زيد رضي اللّه عنهما؛ أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ركبَ على حمار ليعودَ سعدَ بن عبادة رضي اللّه عنه‏.‏‏.‏ فذكر الحديث ومرور النبيّ صلى اللّه عليه وسلم على عبد اللّه بن أَبيّ سلول المنافق، ثم قال‏:‏ فسارَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم حتى دخلَ على سعد بن عبادة، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أيْ سَعْدُ‏!‏ ألَمْ تَسْمَعْ إلى ما قالَ أبُو حُبابٍ ـ يُريد عبد اللّه بن أُبيّ ـ قالَ‏:‏ كَذَا وكَذَا‏"‏ وذكر الحديث‏.‏ (43)
قلت‏:‏ تكرَّر في الحديث تكنيةُ أبي طالبٍ واسمُه عبدُ مناف، وفي الصحيح ‏"‏هَذَا قَبْرُ أبي رِغالٍ‏"‏(44)‏ ونظائر هذا كثيرة، هذا كله إذاً وجد الشرط الذي ذكرناه في الترجمة، فإن لم يُوجد، لم يزد على الاسم؛ كما رويناه في صحيحيهما (45) ؛ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كتب‏:‏ ‏"‏مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلى هِرَقْلَ‏"‏ فسمَّاه باسمه ولم يكنِّه ولا لقبه بلقب ملك الروم وهو قيصر، ونظائرُ هذا كثيرة، وقد أمرنا بالإِغلاظ عليهم، فلا ينبغي أن نُكنيَهم ولا نرققَ لهم عبارة ولا نلين لهم قولاً ولا نظهر لهم ودّاً ولا مؤالفة‏.‏
 باب جواز تكنية الرجل بأبي فُلانة وأبي فُلان والمرأة بأُمّ فلان وأُمّ فُلانة
اعلم أن هذا كلَّه لا حَجْرَ فيه، وقد تكنَّى جماعاتٌ من أفاضل سلف الأمة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم بأبي فلانة، فمنهم عثمان بن عفان رضي اللّه عنه له ثلاث كنى‏:‏ أبو عمرو، وأبو عبد اللّه، وأبو ليلى، ومنهم أبو الدرداء وزوجته أُمّ الدرداء الكبرى صحابية اسمها خيرة، وزوجته الأخرى أُمّ الدرداء الصغرى اسمها هُجَيْمة، وكانت جليلة القدر فقيهة فاضلة موصوفة بالعقل الوافر والفضل الباهر وهي تابعية‏.‏ ومنهم أبو ليلى والد عبد الرحمن بن أبي ليلى، وزوجته أُمّ ليلى، وأبو ليلى وزوجته صحابيان‏.‏ ومنهم أبو أُمامة وجماعات من الصحابة‏.‏ ومنهم أبو رَيْحانة، وأبو رَمْثة، وأبو رِيْمة، وأبو عَمْرة بشير بن عمرو، وأبو فاطمة الليثي، قيل اسمه عبد اللّه بن أنيس، وأبو مريم الأزدي، وأبو رُقَيَّة تميم الداري، وأبو كريمة المقدام بن معد يكرب، وهؤلاء كلُّهم صحابة‏.‏
ومن التابعين‏:‏ أبو عائشة مسروقُ الأجدع وخلائق لا يُحصون‏.‏
قال السمعاني في ‏"‏الأنساب‏"‏‏:‏ سُمِّي مسروقاً، لأنه سرقه إنسانٌ وهو صغير ثم وُجد‏.‏ وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة تكنية النبيّ صلى اللّه عليه وسلم أبا هريرة بأبي هريرة‏.‏ 
 إقرأ بعده.........