السبت، 30 أبريل 2022

ذكر الله شفاء وذكر الناس داء إعداد/ د/ أحمد عرفة

 

ذكر الله شفاء وذكر الناس داء

إعداد/ د/ أحمد عرفة

معيد بجامعة الأزهر

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أما بعد:

فإن كثيراً من الناس اليوم إذا ُسئل عن العبادة ومفهومها فى الإسلام يظن أن العبادة هى الصلاة والصيام والزكاة والحج فحسب ، ولكن العبادة فى الإسلام لها مفهوم عام وشامل أعم من هذا كله كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: العبادة هى اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ، ومن هذه العبادات الميسرة على من يسر الله تعالى عليه ذكر الله عز وجل ، فتعالوا بنا نتعرف على فضائل الذكر فى القرآن والسنة فى هذه المقالة المتواضعة.

أولاً : فضل الذكر فى القرآن الكريم :

إن المتأمل والمتدبر لآيات القرآن الكريم يجد أن المولى تبارك وتعالى قد أمرنا بالإكثار من ذكره فى مواضع كثيرة ، وبين لنا ما أعده من الأجر العظيم والثواب الجزيل للذاكرين ومنها:

1-أن الله عز وجل يذكر من يذكره :

فقال عز وجل : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ)([1]).

من أقوال السلف فى قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ):

قال الحسن البصري رحمه الله : اذكروني فيما افترضت عليكم ، أذكركم  فيما أوجبت  لكم على نفسى .

وقال سعيد بن جبير رحمه الله : اذكروني  بطاعتى أذكركم بمغفرتى .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ذكر الله إياكم،أكبر من ذكركم له([2]).

 

 

2- الأمر بالذكر على كل حال :

قال تعالى: (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ)([3]).

عن عبيد بن عمير في قول الله تعالى : (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) قال : يقول الله : إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي ، وإذا ذكرني عبدي وحده ذكرته وحدي ، وإذا ذكرني في ملا ذكرته في أحسن منهم وأكرم .

وعن قتادة قوله : (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) أمر الله بذكره ونهى عن الغفلة .

وعن زيد بن أسلم: (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) قال : الذكر أن تذكر الله وتسبحه وتهلله وتحمده ([4]).

3- الأمر بالإكثار من الذكر:

قال سبحانه وتعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً )([5]).

قال ابن عباس رضي الله عنهما :

 إن الله عز وجل لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً ، ثم عذر أهلها فى حال غير الذكر ، فإن الله تعالى لم يجعل له حداً ينتهى إليه ، فلم يعذر أحداً فى تركه إلا مغلوباً على عقله ، فقال :( فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ)([6]) وبالليل والنهار ، فى البر، وفى السفر والحضر ، والغنى والفقير ، والصحة والسقم ، والسر والعلانية ، وعلى كل حال ،وقال عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً )([7]) فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته([8]).

وقال تعالى : (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)([9]).

قال ابن عباس رضي الله عنهما : يذكرون الله تعالى فى أدبار الصلوات ، وغدواً وعشياً ، وفى المضاجع ، وكلما استيقظ من نومه ، وكلما غدا أو راح من منزله ذكر الله تعالى.

وقال الإمام القرطبي رحمه الله:

للعلماء في هذا الذكر ثلاثة أقوال :

الأول : اذكروا الله عند جزع قلوبكم ، فإن ذكره يعين على الثبات في الشدائد. الثانى : اثبتوا بقلوبكم ، واذكروه بألسنتكم ، فإن القلب لا يسكن عند اللقاء ويضطرب اللسان ، فأمر بالذكر حتى يثبت القلب على اليقين ، ويثبت اللسان على الذكر ، ويقول ما قاله أصحاب طالوت : (وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)([10]).

وهذه الحالة لا تكون إلا عن قوة المعرفة ، واتقاد البصيرة ، وهي الشجاعة المحمودة في الناس.

الثالث : اذكروا ما عندكم من وعد الله لكم في ابتياعه أنفسكم ومثامنته لكم.

قلت : والأظهر أنه ذكر اللسان الموافق للجنان.

 قال محمد بن كعب القرظي رحمه الله :

 لو رخص لأحد في ترك الذكر لرخص لزكريا ، يقول الله عز وجل :( قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ)([11]) ، لرخص للرجل يكون في الحرب ، يقول الله عز وجل :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ)([12]).

 وقال قتادة رحمه الله : افترض الله جل وعز ذكره على عباده ، أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف، وحكم هذا الذكر أن يكون خفيا ، لأن رفع الصوت في مواطن القتال رديء مكروه إذا كان الذاكر واحدا. فأما إذا كان من الجميع عند الحملة فحسن ، لأنه يفت في أعضاء العدو([13]).

وقال الله عز وجل : (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)([14]).

قال مجاهد رحمه الله : لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات حتى يذكر الله عز وجل قائماً وقاعداً ومضطجعاً.

4- ذكر الله أكبر من كل شئ:

وقال تعالى : (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)([15]).

قال ابن عباس رضي الله عنهما : له وجهان :

أحدهما:أن ذكر الله تعالى لكم أعظم من ذكركم إياه.

والآخر: أن ذكر الله أعظم من كل عبادة سواه.

ثانياً : فضل الذكر فى السنة النبوية المطهرة

جاءت أحاديث كثيرة تبين فضله وعظيم منزلته ومنها :

1- عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق ، وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقكم ؟ " قالوا : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : " ذكر الله عز وجل "([16]).

فى هذا الحديث الشريف ثلاث فوائد :

1- أن ذكر الله عز وجل أفضل وأحب الأعمال إلى الله تبارك وتعالى .

2- أن ذكر الله عز وجل أفضل من إنفاق الذهب والفضة .

3- أن ذكر الله عز وجل أفضل من الجهاد فى سبيل الله قال تعالى:(وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)([17]).

قال الإمام المناوي رحمه الله :

قوله صلى الله عليه وسلم:( ألا أنبئكم بخير أعمالكم ) أي أفضلها (وأزكاها عند مليككم ) أي أنماها وأطهرها عند ربكم (وأرفعها في درجاتكم) أي منازلكم في الجنة (وخير لكم من إنفاق الذهب والورق ) بكسر الراء الفضة(وخير لكم من أن تلقوا عدوكم ) يعني الكفار ( فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم) يعني تقتلوهم ويقتلوكم بسيف أو غيره قالوا وما ذاك؟ قال: (ذكر الله).

لأن جميع العبادات من الإنفاق ومقاتلة العدو وغيرهما وسائل ووسايط يتقرب بها إلى الله والذكر هو المقصود الأعظم والقلب الذي تدور عليه رحا جميع الأديان وهذا الحديث يقتضى أن الذكر أفضل من تلاوة القرآن([18]).

قال ثابت البناني رحمه الله :

إنى لأعلم متى يذكرنى ربى عز وجل ، ففزعوا منه وقالوا : كيف تعلم ذلك ؟

فقال : إذا ذكرته ذكرنى .

2-عن عبد اللّه بن بسر- رضي اللّه عنه- أنّ رجلا قال: يا رسول اللّه، إنّ شرائع الإسلام قد كثرت عليّ فأخبرني بشيء أتشبّث  به، قال: «لا يزال لسانك رطبا من ذكر اللّه») ([19])0

قوله ( إن شرائع الإسلام ):

قال الطيبى رحمه الله : الشريعة مورد الإبل على الماء الجاري والمراد ما شرع الله وأظهره لعباده من الفرائض والسنن0

قال القاري رحمه الله : الظاهر أن المراد بها هنا النوافل لقوله:

( قد كثرت علي ) بضم المثلثة ويفتح أي غلبت علي بالكثرة حتى عجزت عنها لضعفي .

 ( فأخبرنى بشىء ) قال الطيبى رحمه الله :التنكير في بشيء للتقليل المتضمن لمعنى التعظيم كقوله تعالى: (ورضوان من الله أكبر) ومعناه أخبرني بشيء يسير مستجلب لثواب كثير([20]).

3-عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللّه عنه- قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد. فقال:ما أجلسكم؟. قالوا: جلسنا نذكر اللّه قال: آللّه، ما أجلسكم إلّا ذاك؟ قالوا: واللّه ما أجلسنا إلّا ذاك،قال: أما إنّي لم أستحلفكم تهمة لكم. وما كان أحد بمنزلتي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أقلّ عنه حديثا منّي. وإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج على حلقة من أصحابه فقال: «ما أجلسكم؟». قالوا: جلسنا نذكر اللّه ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومنّ به علينا. قال: «آللّه، ما أجلسكم إلّا ذاك؟». قالوا: واللّه ما أجلسنا إلّا ذاك. قال: «أما إنّي لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنّه أتاني جبريل فأخبرني أنّ اللّه- عزّ وجلّ- يباهي بكم الملائكة») ([21]).

4- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ فُقَراءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا : ذَهَبَ أهْلُ الدُّثورِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَى ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أمْوَالٍ ، يَحُجُّونَ ، وَيَعْتَمِرُونَ ، وَيُجَاهِدُونَ ، وَيَتَصَدَّقُونَ . فَقَالَ : (( ألاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئاً تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ ، وَتَسْبَقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ ، وَلاَ يَكُون أَحَدٌ أفْضَل مِنْكُمْ إِلاَّ منْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ ؟ )) قالوا : بَلَى يَا رسول الله ، قَالَ : (( تُسَبِّحُونَ ، وَتَحْمَدُونَ ، وَتُكَبِّرُونَ ، خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ )) قَالَ أَبُو صالح الراوي عن أَبي هريرة ، لَمَّا سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ ذِكْرِهِنَّ قَالَ : يقول : سُبْحَان اللهِ ، وَالحَمْدُ للهِ واللهُ أكْبَرُ ، حَتَّى يَكُونَ مِنهُنَّ كُلُّهُنَّ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ([22]).

قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله:

قوله: "ذهب أهل الدثور: الدثر": هو المال الكثير.

و قوله: "تدركون من سبقكم":يحتمل أن يراد به السبق المعنوي وهو السبق في الفضيلة وقوله من بعدكم أي من بعدكم في الفضيلة ممن لا يعمل هذا العمل ويحتمل أن يراد القبلية الزمانية والبعدية الزمانية ولعل الأول أقرب إلى السياق فإن سؤالهم كان عن أمر الفضيلة وتقدم الأغنياء فيها.

و قوله: "لا يكون أحد أفضل منكم": يدل على ترجيح هذه الأذكار على فضيلة المال وعلى أن تلك الفضيلة للأغنياء مشروطة بأن لا يفعلوا هذا الفعل الذي أمر به الفقراء وفي تلك الرواية تعليم كيفية هذا الذكر وقد كان يمكن أن يكون فرادى - أي كل كلمة على حدة - ولو فعل ذلك جاز وحصل به المقصود ولكن بين في هذه الرواية أنه يكون مجموعا ويكون العدد للجملة وإذا كان كذلك يحصل في كل فرد هذا العدد والله أعلم([23]).

5- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت([24]).

قال الإمام المناوى رحمه الله:

شبه الذاكر بالحي الذي يزين ظاهره بنور الحياة وإشراقها فيه وباطنه منور بالعلم والفهم فكذا الذاكر مزين ظاهره بنور العلم والمعرفة([25]).

6- وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذكرات([26]).

7-وعن جابر رضي الله عنه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أفضل الذكر لا إله إلا الله([27]).

قال الإمام المناوى رحمه الله :

قوله صلى الله عليه وسلم :( أفضل الذّكر لا إله إلا الله ) لأنها كلمة التوحيد والتوحيد لا يماثله شيء وهي الفارقة بين الكفر والإيمان ولأنها أجمع للقلب مع الله وأنقى للغير وأشد تزكية للنفس وتصفية للباطن وتنقية للخاطر من قوله أراد الاستيعاب لا يظهر مع تقدير أعمال إذا لم يبق مفضل عليه([28]).

ثالثاً :من الآثار الواردة عن السلف الصالح فى فضل الذكر : 

قال أبو بكر- رضي اللّه عنه-:ذهب الذّاكرون اللّه بالخير كلّه».

وقال أبو الدّرداء- رضي اللّه عنه-:لكلّ شيء جلاء، وإنّ جلاء القلوب ذكر اللّه- عزّ وجلّ-».

وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه اللّه: «الذّكر للقلب مثل الماء للسّمك، فكيف يكون حال السّمك إذا فارق الماء».

وقال ابن القيّم- رحمه اللّه-: «الذّكر باب المحبّة وشارعها الأعظم وصراطها الأقوم».

وقال أبو سليمان الداراني : إن في الجنة قيعاناً ، فإذا أخذ الذاكر في الذكر أخذت الملائكة في غرس الأشجار فيها ، فربما يقف بعض الملائكة ، فيقال له : لم وقفت ؟ فيقول : فَستر صاحبي .

وقال الحسن : تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء : في الصلاة ، والذكر ، وقراءة القرآن ، فإن وجدتم ، وإلا فاعلموا أن الباب مغلق .

وقال أبو عثمان : من لم يذق وحشة الغفلة لم يجد طعم أنس الذكر .

وعن الجنيد قال:سمعت السري يقول : مكتوب في بعض الكتب التي أنزلها الله تعالى :  إذا كان الغالب علي عبدي ذكري عشقني وعشقته ([29]).

رابعاً : فوائد الذكر :

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى فى كتابه القيم ( الوابل الصيب من الكلم الطيب ): وفي الذكر نحو من مائة فائدة:
إحداها: أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره.
الثانية: أنه يرضي الرحمن عز وجل.
الثالثة: أنه يزيل الهم والغم عن القلب.
الرابعة: أنه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط.
الخامسة: أنه يقوي القلب والبدن.
السادسة: أنه ينور الوجه والقلب.
السابعة: أنه يجلب الرزق. الثامنة: أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة.
التاسعة: أنه يورثه المحبة التي هي روح الإسلام.
العاشرة: أنه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الإحسان.
الحادية عشرة: أنه يورثه الإنابة، وهي الرجوع إلى الله عز وجل
الثانية عشرة: أنه يورثه القرب منه.
الثالثة عشرة: أنه يفتح له باباً عظيماً من أبواب المعرفة.
الرابعة عشرة: أنه يورثه الهيبة لربه عز وجل وإجلاله.
الخامسة عشرة: أنه يورثه ذكر الله تعالى له0

السادسة عشرة: أنه يورث حياة القلب.
السابعة عشرة: أنه قوة القلب والروح.
الثامنة عشرة: أنه يورث جلاء القلب من صدئه.
التاسعة عشرة: أنه يحط الخطايا ويذهبها، فإنه من أعظم الحسنات، والحسنات يذهبن السيئات.
العشرون: أنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى.
الحادية والعشرون: أن ما يذكر به العبد ربه عز وجل من جلاله وتسبيحه وتحميده، يذكر بصاحبه عند الشدة.
الثانية والعشرون: أن العبد إذا تعرف إلى الله تعالى بذكره في الرخاء عرفه في الشدة.
الثالثة والعشرون: أنه منجاة من عذاب الله تعالى.
الرابعة والعشرون: أنه سبب نزول السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذاكر.
الخامسة والعشرون: أنه سبب اشتغال اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش، والباطل.
السادسة والعشرون: أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين.
السابعة والعشرون: أنه يؤمّن العبد من الحسرة يوم القيامة.
الثامنة والعشرون: أن الاشتغال به سبب لعطاء الله للذاكر أفضل ما يعطي السائلين.
التاسعة والعشرون: أنه أيسر العبادات، وهو من أجلها وأفضلها.
الثلاثون: أن العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال.
الحادية والثلاثون: أن دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه و معاده 0
الثانـية والثلاثون: أنه ليس في الأعمال شيء يعم الأوقات والأحوال مثله.
الثالثة والثلاثون: أن الذكر نور للذاكر في الدنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده، يسعى بين يديه على الصراط.
الرابعة والثلاثون: أن الذكر رأس الأمور، فمن فتح له فيه فقد فتح له باب الدخول على الله عز وجل.
الخامسة والثلاثون: أن في القلب خلة وفاقة لا يسدها شيء البتة إلا ذكر الله عز وجل.
السادسة والثلاثون: أن الذكر يجمع المتفرق، ويفرق المجتمع، ويقرب البعيد، ويبعد القريب. فيجمع ما تفرق على العبد من قلبه وإرادته، وهمومه وعزومه، ويفرق ما اجتمع عليه من الهموم، والغموم، والأحزان، والحسرات على فوات حظوظه ومطالبه، ويفرق أيضاً ما اجتمع عليه من ذنوبه وخطاياه وأوزاره، ويفرق أيضاً ما اجتمع على حربه من جند الشيطان، وأما تقريبه البعيد فإنه يقرب إليه الآخرة، ويبعد القريب إليه وهي الدنيا.
السابعة والثلاثون: أن الذكر ينبه القلب من نومه، ويوقظه من سباته. الثامنة والثلاثون: أن الذكر شجرة تثمر المعارف والأحوال التي شمر إليها السالكون.
التاسعة والثلاثون: أن الذاكر قريب من مذكوره، ومذكوره معه، وهذه المعية معية خاصة غير معية العلم والإحاطة العامة، فهي معية بالقرب والولاية والمحبة والنصرة والتو فيق.
الأربعون: أن الذكر يعدل عتق الرقاب، ونفقة الأموال، والضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل.
الحادية والأربعون: أن الذكر رأس الشكر، فما شكر الله تعالى من لم يذكره.
الثانية والأربعون: أن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطباً بذكره.
الثالثة والأربعون: أن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى.
الرابعة والأربعون: أن الذكر شفاء القلب ودواؤه، والغفلة مرضه.
الخامسة والأربعون: أن الذكر أصل موالاة الله عز وجل ورأسها والغفلة أصل معاداته ورأسها.
السادسة والأربعون: أنه جلاب للنعم، دافع للنقم بإذن الله.
السابعة والأربعون: أنه يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر.
الثامنة والأربعون: أن من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا، فليستوطن مجالس الذكر، فإنها رياض الجنة.
التاسعة والأربعون: أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ليس لهم مجالس إلا هي.
الخمسون: أن الله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته.
الحادية والخمسون: أن إدامة الذكر تنوب عن التطوعات، وتقوم مقامها، سواء كانت بدنية أو مالية، أو بدنية مالية.
الثانية والخمسون: أن ذكر الله عز وجل من أكبر العون على طاعته، فإنه يحببها إلى العبد، ويسهلها عليه، ويلذذها له، ويجعل قرة عينه فيها.
الثالثة والخمسون: أن ذكر الله عز وجل يذهب عن القلب مخاوفه كلها ويؤمنه.
الرابعة والخمسون: أن الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يطيق فعله بدونه.
الخامسة والخمسون: أن الذاكرين الله كثيراً هم السابقون من بين عمال الآخرة.
السادسة والخمسون: أن الذكر سبب لتصديق الرب عز وجل عبده، ومن صدقه الله تعالى رجي له أن يحشر مع الصادقين.
السابعة والخمسون: أن دور الجنة تبني بالذكر، فإذا أمسك الذاكر عن الذكر، أمسكت الملائكة عن البناء.
الثامنة والخمسون: أن الذكر سد بين العبد وبين جهنم.
التاسعة والخمسون: أن ذكر الله عز وجل يسهل الصعب، وييسر العسير، ويخفف المشاق. .
الستون: أن الملائكة تستغفر للذاكر كما تستغفر للتائب.
الحادية والستون: أن الجبال والقفار تتباهي وتستبشر بمن يذكر الله عز وجل عليها.
الثانية والستون: أن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق.
الثالثة والستون: أن للذكر لذة عظيمه من بين الأعمال الصالحة لا تشبهها لذة.
الرابعة والستون: أن في دوام الذكر في الطريق، والبيت، والبقاع، تكثيراً لشهود العبد يوم القيامة، فإن الأرض تشهد للذاكر يوم القيامة([30]).

كانت هذه بعض فضائل الذكر فى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، مع ذكر بعض فوائد الذكر وآثاره فى الدنيا والآخرة ، نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال اللهم آمين .

والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل

للتواصل مع الكاتب

01119133367

Ahmedarafa11@yahoo.com


  • ([1])سورة البقرة : الآية : 152 0
  • ([2])تفسير ابن كثير : جـ 1صـ 464 0
  • ([3])سورة الأعراف : الآية : 205 0
  • ([4])تفسير ابن أبى حاتم : الإمام الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي جـ 5 صـ 1647طبعة المكتبة العصرية – صيدا بيروت – تحقيق :أسعد محمد الطيب 0
  • ([5])سورة الأحزاب : الآية : 41 0
  • ([6])سورة النساء : الآية : 103 0
  • ([7])سورة الأحزاب : الآية : 41 0
  • ([8])تفسير ابن كثير : جـ 3 صـ 495 .
  • ([9])سورة الجمعة : الآية : 10 0
  • ([10])سورة البقرة : الآية: 250 0
  • ([11])سورة آل عمران : الآية: 41 0
  • ([12])سورة الأنفال : الآية: 45 0
  • ([13])تفسير القرطبى : جـ 8 صـ 23 0
  • ([14])سورة الأحزاب : الآية : 35 0
  • ([15])سورة العنكبوت : الآية: 45 0
  • ([16])أخرجه الترمذى فى سننه – كتاب الذبائح – أبواب الدعوات – حديث رقم 3382 ، وابن ماجة فى سننه – كتاب الأدب – باب فضل الذكر – حديث رقم 3788 وصححه الألبانى فى صحيح سنن الترمذى حديث رقم 3377، وصحيح سنن ابن ماجة حديث رقم 3858 0
  • ([17])سورة العنكبوت : الآية: 45 0
  • ([18])التيسير بشرح الجامع الصغير:جـ 1صـ 814 0
  • ([19])أخرجه الترمذى فى سننه - كتاب الذبائح – أبواب الدعوات – باب ما جاء فى فضل الذكر - حديث رقم 338 ، وابن ماجة فى سننه – كتاب الأدب – باب فضل الذكر – حديث رقم 3791 ، وصححه الألبانى فى صحيح سنن الترمذى حديث رقم 3375 ، وصحيح سنن ابن ماجة حديث رقم 3861 0
  • ([20])تحفة الأحوذى بشرح سنن الترمذى : جـ 9 صـ 222 0
  • ([21])أخرجه مسلم فى صحيحه – كتاب الذكر والدعاء والاستغفار – باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر – حديث رقم 4976 0
  • ([22])أخرجه البخارى فى صحيحه – كتاب الآذان – أبواب صفة الصلاة – باب الذكر بعد الصلاة حديث رقم 820 ، ومسلم – كتاب المساقاة ومواضع الصلاة – باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته – حديث رقم 968 0
  • ([23])إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام : جـ 1صـ 218 0
  • ([24])أخرجه البخارى فى صحيحه – كتاب الدعوات – باب فضل ذكر الله حديث رقم (6053)0
  • ([25]) التيسير بشرح الجامع الصغير : جـ 2 صـ 717 0
  • ([26])أخرجه مسلم فى صحيحه - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار- باب الحث على ذكر الله – حديث رقم (‏4941‏)0
  • ([27])سنن الترمذي الجامع الصحيح - الذبائح- أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة - حديث:‏3388‏ وحسنه الألباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم 3383 .
  • ([28])التيسير بشرح الجامع الصغير : جـ 1 صـ 367 0
  • ( ([29])الرسالة القشيرية : للإمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري جـ 1 صـ 257 –ص 259 طبعة : دار الكتب العلمية - بيروت/لبنان - 1422هـ -2001م ، الطبعة : لا يوجد ، تحقيق: خليل المنصور 0
  • ([30])انظر : الوابل الصيب من الكلم الطيب : للإمام ابن القيم الجوزية صـ61 وما بعدها طبعة دار الكتاب العربي – بيروت - الطبعة الأولى ، 1405 - 1985تحقيق : محمد عبد الرحمن عوض .

===========

كتاب ملازمة تلاوة القرآن ل فهد بن عبدالعزيز الشويرخ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 ملازمة تلاوة القرآن 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن أحب شيئاً أكثر من ذكره, فمن أحبَّ الله جل جلاله أكثر من ذكره, فطوبى لمن وفقه الله عز وجل, وأعانه, وحبب إليه كثرة ذكره, قال ميمون بن سياه: إذا أراد الله بعبده خيراً حبب إليه ذكره.

وممن حُبّب إليه كثرة ذكر الله عز وجل: شيخ الإسلام ابن تيمية, قال العلامة ابن القيم: حضرتُ شيخ الإسلام ابن تيمية مرةً صلى الفجر, ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار, ثم التفت إليَّ وقال: هذه غدوتي, ولو لم أتغذ هذا الغذاء لسقطت قوتي, أو كلاماً قريباً من ذلك. وقال لي مرة: لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها, لاستعد بتلك الراحة لذكر آخر, أو كلاماً هذا معناه.

وذكر الذهبي في ترجمة عبدالرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر, أنه لا يخلو لسانه من ذكر الله في قيامه وقعوده.

والقرآن أفضل الذكر, قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قراءة القرآن أفضل من الذكر

فيا سعادة من كان القرآن الكريم جليسه وأنيسه, وكان محباً له, مكثراً من تلاوته, قال سفيان بن عيينة: من أحبّ القرآن فقد أحبّ الله.

وملازمة تلاوة القرآن من عمل السلف, قيل لنافع: ما كان بصنع ابن عمر في منزله؟ قال: لا تطيقونه: الوضوء لكل صلاة, والمصحف فيما بينهما, ومن يقرأ في سير الصالحين من المعاصرين, يجد شدة ملازمتهم لتلاوة القرآن إناء الليل وأطراف النهار, وهذه بعض النماذج مما جاء في كتاب " شذا الياسمين من أخبار المعاصرين في قراءة القرآن الكريم وقيام الليل " لمؤلفه عبدالله بن زعل العنزي.

* الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الغديان, عضو هيئة كبار العلماء, ( ت1431) رحمه الله, يقول ابنه الشيخ الدكتور محمد: أنه خرج مع الشيخ في سفر إلى الطائف بالسيارة, فما أن خرج من البيان, حتى بدأ في القراءة, فبدأ بالفاتحة, ودخلنا الطائف وهو في آخر الختمة, قرابة سبع أو ثمان ساعات ! وله في هذا الأمر أخبار أخرى  

* الشيخ صالح بن علي الغصون, عضو هيئة كبار العلماء, ( ت 1419) رحمه الله يقول عنه تلميذه الدكتور طارق الخويطر: يقرأ القرآن في أي وقت تَسنح فيه القراءةُ، ولو كان قصيرًا, كما بين نزوله من السيارة إلى المنزل, وكما في زياراته التي يقوم بها, بل أكثر من ذلك, لما كنتُ أقرأ عليه بعض المتون في بيته, كنت إذا قمت لأحضر شيئاً عند باب الغرفة, سمعته يقرأ حتى أرجع,  ويُردِّد رحمه الله: إنني أريدُ أن يكون القرآن أنيسًا لي في القبر.

* الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن هليل, القاضي في مدينة الرياض,  ( ت 1421) رحمه الله, حفظ القرآن وهو ابن خمسة عشر عاماً, حُبب إليه تلاوة القرآن ليلاً ونهاراً, اشتهر عند الناس بالحلم, ومن عجيب قراءته للقرآن الكريم, وكذلك من عجيب حلمه: أنه طرق باب منزله ليفتح له أهله, ولكنهم لم يسمعوه, فجلس على عتبة الباب, وقرأ ستة أجزاء من القرآن الكريم.    

* سعد بن عبدالله العبيد ( ت 1428) رحمه الله, ممن يقرأ القرآن الكريم كثيراً, أصيب بمرض السرطان, وسافر إلى أمريكا للعلاج, يقول من صحبه في الطائرة: لما ركب الطائرة في مطار الرياض شرع بقراءة القرآن, إلى أن وصل إلى أمريكا, لم يقطعه إلا الصلاة, وكانت هذه حاله كذلك في رحلة العودة.

 

* نورة بنت محمد الزومان ( ت 1417) زوجة العلامة الشيخ عبدالرحمن القاسم رحمهما الله, تقول المشرفة التربوية الأستاذة شيخة بنت محمد القاسم, في كتابها: " صالحات عرفتهن" عنها وهي_جدتها_أما العشرون سنة الأخيرة بعد ما تزوج الأبناء, ومات جدي رحمه الله, فكانت تقضي جل وقتها في تلاوة القرآن الكريم, من الصباح الباكر إلى أذان المعرب لا يقطع عليها إلا أداء صلاة أو تناول وجبة طعام, أو قيلولة بعد الظهر, أو لقاء ضيق قدِم للسلام غليها, أو ما شابه ذلك من الضروريات.

قالت لها إحدى القريبات: ألا يضيق صدرك ؟ فعجبت من سؤالها ؟ وأجابت: أيضيق صدري, وعندي كتاب الله!.

ومن كان ملازماً لتلاوة القرآن أكرمه الرحمن, وهذه بعض الامثلة لذلك:

رد الله عز وجل إليه بصره:

عبدالرحمن بن جميعان المطيري ( ت 1425) رحمه الله, قال الشيخ الدكتور عمر المقبل: هذا الرجل أكثر من رأيت تلاوة للقرآن الكريم, كان يختم كل ثلاث.

ضعف بصره في آخر عمره, بسبب الماء في عينيه, حتى أنه لا يستطيع قراءة القرآن الكريم, وقال الأطباء: لا نستطيع إجراء عملية له, لكبر سنه, وكان عندما يسأل عن حاله ؟ يقول: أنا بخير ولله الحمد والمنة, ولكني لا أرى المصحف _ يقولها بنبرة حزينة _ وكان يقول للشيخ عمر المقبل: والله يا أبا عبدالله ما عندي بها الدنيا غير القرآن يوسع صدري, فإذا راح بصري وش أبي بها الدنيا ؟ يقولها والدموع تتقاطر من عينيه. فقال الشيخ المقبل: أدع الله يا أبا عبدالله أن الله يزيل عنك هذا الماء, وأبشر.

 وفي أول يوم من رمضان عام ( 1420) فتح المصحف على عادته بعد صلاة الفجر, فردَّ الله سبحانه عليه بصره, ففرح فرحاً شديداً, واستمر يبصر إلى أن توفي.

 

قرأ القرآن بصوت جهوري وهو فاقد للحبال الصوتية:

الشيخ عامر السيد عثمان, ( ت 1408) رحمه الله, يقول الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري وفقه الله: حدثني أخي الشيخ محفوظ الشنقيطي _ مدير عام العلاقات بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف _ عن شيخ القرّاء بالمجمع الشيخ عامر السيد عثمان رحمه الله تعالى: أنه فقد حباله الصوتية في السنوات السبع الأخيرة من حياته, وكان يدرس تلاميذه القراءة, فلا يفصح لهم إلا بشهيق وإيماء, ثم مرض الوفاة, وكان طريح السرير بالمستشفى, ففوجئ أهل المستشفى بالرجل المريض فاقد الحبال الصوتية يقعد ويدندن بكلام الله, بصوت جهوري جذاب, مدة ثلاثة أيام ختم فيهن القرآن من سورة الفاتحة إلى سورة الناس, ثم أسلم الروح.

قرأوا القرآن الكريم وهم في غيبوبة:

* الشيخ أحمد بن أحمد سعيد ( ت1411) رحمه الله, حفظ القرآن الكريم وهو ابن عشر سنين, كان يستحضر المتشابه في القرآن الكريم, مرض وفي أثناء الغيبوبة التي أصابته, أخذ يقرأ ويكرر كثيراً قول الله تعالى: ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ) [البقرة:155-156] يقرأ القرآن وهو في الغيبوبة مما أثار دهشة الجميع

* الشيخ عبدالمتعال بن منصور عرفة, ( ت 1413) رحمه الله, لما بلغ عمره تسع سنوات أتم حفظ القرآن الكريم, ولما مرض في الأشهر الأخيرة من عمره, ودخل في غيبوبة, كان يتلو القرآن....لا يدري شيئاً عن كل أحبابه الذين بجواره, ولكنه فقط يذكر آيات الله.

* الشيخ عيسى بن بلقاسم الفاخري ( ت 1419) رحمه الله, ختم القرآن في سنة واحده, وعمره واحداً وعشرين عاماً, يقول تلميذه أبو منذر الفاخري: لقد عرفت الشيخ حافظاً متمكناً من حفظ كتاب الله بأكثر من رواية, لا يمل من قراءته والاستماع إليه, ولما زرته وهو على فراش الموت في غيبوبة المرض كان لا يتلفظ بشيءٍ غير القرآن.

* الشيخ محمد بن عبدالعزيز المشيقح ( ت 1428) رحمه الله, حفظ القرآن الكريم منذ صغره, في مرض موته عندما كان يُقرأ القرآن عنده, ويخطئ من يقرأ يردُّ عليه وهو في غيبوبته.

ضابط للقرآن وهو في مرحلة الخرف:

* الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الغيث ( ت 1411) رحمه الله, حفظ القرآن الكريم في صغره, يقول الشيخ الدكتور عبدالله الطيار: اشتهر في آخر حياته بعد أن وصل إلى مرحلة الخرف بضبط القرآن الكريم واتقانه, حيث يقرأ سوراً متعددة لا يخطئ أبداً, مع أنه لا يعرف من عنده, ولا يميز الناس.

خرجت أرواحهم وهم يتلون القرآن الكريم:

* الشيخ صالح بن محمد الأخميمي, ( ت 1415) رحمه الله, حفظ القرآن الكريم, في يوم وفاته كان يقرأ القرآن, وتوفي وهو يقرأ سورة ياسين

* الشيخ عبدالرحمن بن حمد السعدي ( ت 1431) عم الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي, رحمهما الله, حفظ القرآن في صغره وكان يختم كل ثلاثة أيام, توفي وهو يقرأ سورة يوسف.

 

وختاماً: فلنحرص على كثرة تلاوة القرآن, ولكن لا يعنى هذا أن يكون هم الإنسان كثرة القراءة بدون تدبر, بل يقرأ ويكثر من التلاوة, ولكن بتدبر وحضور قلب, ومن أجل أن يقرأ المسلم القرآن الكريم بتدبر فعليه ألا يقرأه في أقل من ثلاث, قال رسول الله علية الصلاة والسلام: ( لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث ) [أخرجه أبو داود] قال سماحة العلامة ابن باز رحمه الله: الأفضل أن يتحرى في قراءته الخشوع والترتيل والتدبر, وليس المقصود العجلة, بل المقصود أن يستفيد, وينبغي أن يكثر القراءة في رمضان كما فعل السلف رضي الله عنهم, ولكن مع التدبر والتعقل, فإذا ختم في كل ثلاث فحسن, وبعض السلف قال: إنه يستثنى من ذلك أوقات الفضائل, وأنه لا بأس أن يختم كل ليلةٍ, أو في كل يوم كما ذكروا عن الشافعي, وعن غيره, ولكن ظاهر السنة أنه لا فرق بين رمضان وغيره.

وتلاوة القرآن من الأمور التي كان عليها الصحابة والتابعون لهم بإحسان, قال الإمام الأوزاعي رحمه الله: خمس كان عليها الصحابة والتابعون لهم بإحسان: لزوم الجماعة, واتباع السنة, وعمارة المساجد, والتلاوة, والجهاد.

وإذا قرأ المسلم القرآن الكريم بتدبر, تأثر بهذه القراءة, فمنعته من المعاصي أو بعضها, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الإنسان إذا قرأ القرآن وتدبره, كان ذلك من أقوى الأسباب المانعة له من المعاصي أو بعضها.

وتلاوة القرآن بتدبر من أسباب صلاح القلب, قال إبراهيم بن الخواص رحمه الله: صلاح القلب في خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر, وخلاء البطن, وقيام الليل, والتضرع عند السحر, ومجالسة الصالحين.

فلنجاهد أنفسنا على كثرة تلاوة القرآن وقراءته بتدبر فنفوز بالأجور العظيمة, وتتأثر قلوبنا وينعكس ذلك على أعمالنا. كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

===========